المشاركات الشائعة

الخميس، 9 يناير 2014

هل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب ؟

هل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب ؟
صورة المسألة:
أنه إذا ورد في القرآن أو السنة خطاب بحكم معين واللفظ يقتضي العموم في جميع الأسباب والحالات الداخلة في اللفظ إلا أن الخطاب ورد في سبب وروده أنه لسبب معين مثل قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ﴾ فهذه عام وسببها خاص
فهل يدخل في العام جميع الأسباب وإن لم تكن سبب الورود أويقتصر على السبب فقط ؟

تحرير محل النزاع:
1) اتفق العلماء على دخول صورة السبب في الحكم العام الوارد على سبب خاص.
2) أنه إن علم قصد المتكلم قصر العام على سببه الخاص أنه يقصر عليه مثال ذلك لو قيل لإنسان : كل هذا الطعام فقال : والله لا أكلت ، وهو يقصد لا يأكل ما قيل له كله فهنا يقصر اللفظ على سببه باتفاق العلماء.
3) إذا اقترن باللفظ ما يدل على التخصيص فإنه يقصر على السبب باتفاق
مثال ذلك : قوله تعالى : ( خالصة لك من دون المؤمنين)
4) أن ما ورد جوابا لسؤال مثال: أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل : أنتوضأ بماء البحر، فقال : ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته)
فهذا الجواب فيه عمومان:
الأول : واقع في جواب السؤال ولا يتم الجواب بدونه، وهو قوله: هو الطهور ماؤه.
والثاني : زائد عن جواب السؤال ولكنه مصاحب له، وهو قوله : « الحل ميتته »، فهذا العموم الأخير خارج عن محل النزاع؛ لأنه بيان لحكم لم يسأل عنه فهو كالحكم المبتدأ الذي لا يعرف سببه، فيكون عاما لكل ميتات البحر إلا ما قام الدليل على خصوصه.
والأول : وهو ما كان العموم فيه في موضع السؤال ولا يتم الجواب إلا به، هو موضع الخلاف.

تحرير محل النزاع بصيغة أخرى:
1- إن يرد اللفظ مقترنا بقرينه داله على العموم او الخصوص فيعم الأول ويخص في الثاني إجماعا
2- ا و إن يرد منقولا مع الحكم فهذا يوجب تخصيص الحكم بالسبب المنقول بلا خلاف
3- ا و إن لا يكون السبب منقولا ولكن الحكم المذكور مما لا يستقل بنفسه ولا يفهم بدون السبب المعلوم به فهذا يوجب تخصيص الحكم بالسبب كذالك بلا خلاف
4- ا وان يرد الحكم مستقلا بنفسه ومفهوم معناه ولكنه ورد جواب لسؤال وهو غير زائد على مقدار الجواب فهذا يوجب تخصيص الحكم بالسبب بلا خلاف
5- ا و إن يكون الحكم مستقلا بنفسه وورد جوابا لسؤال لكنه زائد على ما يتم به الجواب ولا قرينة فهذا موضع الخلاف
هل سيبقى على عمومه نظراً إلى لفظه أو يكون حكمه خاصاً نظراً إلى سببه ؟

الأقوال في المسألة:
القول الأول: إذا ورد لفظ العموم على سبب خاص لم يسقط عمومه.
وهو مذهب الإمام أحمد والشافعي وأصحابه وأكثر الحنفية ورواية عند المالكية هي الأرجح والأشعرية ، وذهب إليه أكثر الأصوليين.
مثال : قوله صلى الله عليه وسلم حين سُئل: أنتوضأ بماء البحر في حال الحاجة: قال : ( هو الطهور ماؤه)
أدلة الجمهور ( القول الأول ) :
الدليل 1 : أن الحجة في لفظ الشارع لا في السبب، فيجب اعتباره بنفسه في خصوصه وعمومه، ولذلك لو كان أخص من السؤال ، لم يجز تعميمه لعموم السؤال.
الدليل 2 : لو سألت امرأة زوجها الطلاق فقال: "كل نسائي طوالق" ، طلقن كلهن؛ لعموم لفظه وإن خًص السؤال.
الدليل 3 : : ولذلك يجوز أن يكون الجواب معدولًا عن سَنَن السؤال ( ما تناوله موضع السؤال )
فلو قال قائل: " أيحل أكل الخبز ، والصيد ، والصوم " ؟
فيجوز أن يقول في الجواب: " الأكل مندوب و الصوم واجب و الصيد حرام "
فيكون جوابًا، وفيه وجوب وندب وتحريم، والسؤال وقع عن " الإباحة"
الدليل 4 : كيف ينكر هذا وأكثر أحكام الشرع نزلت على أسباب خاصة. كنزول آية الظهار في أوس بن الصامت، وآية اللعان في هلال بن أمية، ونحو ذلك
الدليل5: لأننا نعتبر صفة اللفظ في كونه أمرا ونهيا وإباحة، كذك في كونه عموما وخصوصا
الدليل 6: لأن العام إنما يخص بما يعارضه وينفيه ، ةالسبب الوارد عليه اللفظ مماثل له ومطابق له في حكمه، فلا يجوز تخصيصه
الدليل7:لأن الخطاب قد ورد في مكان وزمان ، ثم لا يقتصر به على المكان والزمان كذلك لا يقتصر به على السبب.
القول الثاني: قول مالك (روايتين عن الامام مالك،أما أكثر المالكية فهم مع الجمهور) وبعض الشافعية: يسقط عمومه
أدلة القول الثاني:
الدليل 1 : لو لم يكن للسبب تأثير لجاز إخراج السبب بالتخصيص من العموم.
الجواب عن الدليل 1 : لا يلزم من وجوب التعميم في الحكم جواز تخصيص السبب، فإنه لا خلاف في أنه بيان الواقعة وإنما الخلاف هل هو بيان لها خاصة أم لها ولغيرها ؟ فاللفظ يتناولها يقينًا ويتناول غيرها ظنًا إذ لا يسأل عن شيء فيعدل عن بيانه إلى بيان غيره إلا أن يجيب عن غيره بما ينبه على محل السؤال ،كما قال لعمر لما سأله عن القبلة للصائم: ( أرأيت لو تمضمضت ؟ ) شبهها النبي صلى الله عليه وسلم بالمضمضة.
الدليل 2 : لما نقله الراوي لعدم فائدته.
الجواب عن الدليل 2 : ولهذا كان نقل الراوي للسبب مفيدًا؛ ليبين به تناول اللفظ له يقينًا فيمتنع عن تخصيصه.
وفيه فوائد أخر من معرفة أسباب النزول و السير والتوسع في علم الشريعة .
الدليل 3 : لما أخر بيان الحكم إلى وقوع الواقعة.
الجواب عن الدليل 3 : وقولهم " لم أخر بيان الحكم " :
قلنا : أ/ الله أعلم بفائدته في أي وقت يحصل. " لا يسأل عما يفعل " ، فالله عز وجل له حق التشريع .
ب / ثم لعله أخره إلى وقت الواقعة؛ لوجوب البيان في تلك الحال.
أو اللطف ومصلحة للعباد داعية إلى الانقياد، لا تحصل بالتقديم ولا بالتأخير
جـ / ثم يلزم لهذه العلة، اختصاص الرجم بـ " ماعز " ، وغيره من الأحكام.
الدليل 4 : لأنه جواب، والجواب يكون مطابقًا للسؤال.
الجواب عن الدليل 4 : وقولهم " تجب المطابقة" :
قلنا: يجب أن يكون متناولًا له
أما أن يكون مطابقًا له : فكلا !
بل لا يمتنع أن يسأل عن شيء فيجيب عنه وعن غيره، كما سئل عن الوضوء بماء البحر فبين لهم حل ميتته.
الدليل 5: بأن الجواب والسؤال بمنزلة الجملة الواحدة؛ فيصير كأنه قال: إذا ركبتم البحر، وكان معكم القليل من الماء، وإن توضأتم خفتم العطش؛ فتوضئوا بماء البحر؛ فإنه طهور، ولو كان هكذا؛ لكان مقصورًا على حال الضرورة؛ لأن خوف العطش، يصير شرطًا في الوضوء بماء البحر، ويدل على أنهما بمنزلة الجملة الواحدة: أن الجواب مقتضى السؤال.
والجواب: أنا لا نسلم أنه بمنزلة الجملة، ونقول: هما ضمنان؛ لأن السؤال ليس بعلم على الحكم، والجواب علم على الحكم؛ فدل على أنهما جملتان مختلفتان.
وقولهم: إن الجواب مقتضى السؤال؛ فهو وإن كان مقتضاه؛ فيجوز أن يكون زائدًا عليه، ويجيب عما يسأل وعما لم يسأل، ولهذا قال: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته"
ويدل عليه قوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى، قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}
الدليل 6: بأنه يجوز أن يكون الجواب مبهمًا محالًا به على بيان السؤال
والجواب: أنه يجوز أن يكون جواب النبي صلى الله عليه وسلم مبهمًا محالًا على بيان القرائن، وبيان القياس، ويكون لفظ القرآن محالًا على بيان السنة، وإذا كان كذلك؛ لم يدل هذا على أنهما جملة واحدة.
الدليل7: بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "أعتق رقبة" ، مقصور على السبب الذي خرج الكلام عليه، ولا يجوز أن يتعدى ذلك حال وقوع الفعل.
والجواب: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أعتق رقبة" ؛ لا يعم حال الوقوع، وغير حال الوقوع، وليس كذلك: "هو الطهور ماؤه" ؛ فإنه عام في جميع الأحوال. وحمله على حال الضرورة، تخصيص له بأمر ما، يدل على ذلك: أنها لو قالت: طلقني، فقال: أنت طالق، كان الظاهر أنه طلقها لسؤالها، وأن قولها هو المقتضى لإيقاع الطلاق عليها. وإذا قالت له: طلق ضرائري، فقال: كل امرأة له طالق؛ حمل قوله على عمومه فيها وفي ضرائرها؛ فدل على ما قلناه.
الدليل8: بأن الخطاب لما ورد عقيب السبب، كان الظاهر أنه بيان لحكمه؛ فإنه لو كان بيانًا لحكم غيره لذكره قبل حدوثه.
والجواب: أنه لو ذكره قبل ورود السبب؛ لجاز إخراج هذا السبب منه وتخصيصه، وحين ذكره عند وجود السبب؛ أفاد أنه لا بد أن يكون السبب داخلًا في حكم الخطاب، وأنه لا يجوز تخصيصه؛ لكونه منصوصًا عليه، وعلى أن هذا يوجب إذا ورد في مكان مخصوص، وزمان مخصوص، وسائل مخصوص أن يقتصر على سؤال السائل، وعلى الزمان والمكان.
الراجح-والله أعلم-: هو قول الأول
قال الشوكاني:" وهذا المذهب هو الحق الذي لا شك فيه، لأن التعبد للعباد إنما هو باللفظ الوارد عن الشارع وهو عام ، ووروده على سؤال خاص لا يصلح قرينة لقصره على ذلك السبب ومن ادعى أنه يصلح لذلك فليأت بدليل تقوم به الحجة ولم يأت أحد من القائلين بالقصر على السبب بشيء يصلح لذلك، وإذا ورد في بعض المواطن ما يقتضي قصر ذلك العام الوارد فيه على سببه لم يجاوز به محله بل يقصر عليه، ولا جامع بين الذي ورد فيه بدليل يخصه وبين سائر العمومات الوردة على أسباب خاصة حتى يكون ذلك الدليل في الموطن شاملاً لها"
ومما يؤيد هذا الترجيح:حديث ابن مسعود رضي الله عنه
أن رجلا أصاب من امرأة قُبلَة، فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له، قال: فنزلت: { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }،قال: فقال الرجل: ألِي هذهِ يا رسول الله؟ قال: ((لمن عمل بها من أمتي))،وفي روايةٍ لمسلم: فقال رجل من القوم: يا نبي الله، هذا له خاصة؟ قال: ((بل للناس كافة)). وهذا نص في محل النـزاع.
وممَّا يُؤكدُ هذه القاعدة عدم مجيء أكثر النصوص؛ خاصة نصوص القُرآن التي نزلت لأسباب؛ بتسمية من كان سببا في نزولها، بل يأتي اللفظ عاما ليكونَ تشريعًا لجميعِ أهل الإسلام بدلالة العُموم.

سبب الخلاف في المسألة هو: الخلاف في اعتبار اللفظ والسبب، فمن يعتبر اللفظ وهم الجمهور يقولون: العبرة بعموم اللفظ، ومن يعتبر السبب يقولون بخصوص السبب لا بعموم اللفظ وهم أصحاب القول الآخر
وأما ثمرة الخلاف:
فتظهر في تعميم ما ورد بلفظ عام في سبب خاص، فالجمهور من العلماء يعممونه ويعدونه عن السبب إلى غيره ويرون ذلك من دلالة النص، أما أصحاب القول الثاني فهم لا يتعدون بالحكم عما ورد فيه عن طريق دلالة النص، وإنما هم يعدونه عن طريق القياس، وإن كان اللفظ خاصا.
من الفروع الفقهية للمسألة:
1: الترتيب في الوضوء
اختلف العلماء في الترتيب في الوضوء هل يجب أو لا ؟
القول 1: يجب،واستدلوا على ذلك بأدلة منها:
ابدؤوا بما بدأ الله به )) ولمسلم (( أبدأ بما بدأ الله به )) فدل هذا على وجوب البداءة بالشيء الذي بدأ الله به في الوضوء فقد بدأ بالوجه ثم باليدين إلى المرفقين ثم بمسح الرأس ثم بغسل الرجلين
القول2: قالو:كيف تستدلون بهذا الكلام وقد قاله
في الوضوء في الحج لما دنا من الصفا قال (( أبدأ بما بدأ الله به )) فسببه الحج، ونحن
والجواب : أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإن قوله (أبدأ بما) صيغة من صيغ العموم وهو (ما) بمعنى الذي فهو وإن قاله في الحج لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وهذا هو القول الصحيح - أي وجوب الترتيب في الوضوء مع القدرة


الحج عن الغير:2
ورد في حديث الخثعمية أنها قالت : يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج قد أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه ، قال : نعم حجي عنه )).
بناء على القول الثاني: إن هذا الحديث خاص بالخثعمية وأبيها دون غيرهم ، وهذا ليـس بصحيح ، بل الصواب أنه: عام لها ولغيرها ممن هو في حالة أبيها فمن كان مريضاً أو كبيراً لا يثبت على الراحلة فله أن يقيم عنه من يحج ويعتمر؛ لعموم قوله فاقضوا الله فالله أحق بالوفاء )) فإن قيل إنه نزل على سبب خاص وهو سؤالها ، قلنا : إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
3: رضاع الكبير
ففي قصة سالم مولى أبي حذيفة أنه كان يدخل على امرأة أبي حذيفة فتغيرت نفس أبي حذيفة فرفعت الأمر إلى النبي فقال لها: ( أرضعيه حتى يدخل عليك)
فهذا الحديث له سبب خاص ، ولفظه عام ، فهل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؟
هنا وقع الخلاف بين العلماء:
فقال جملة من أزواج النبي وهو قول الجمهور أيضاً إنه خاص بسالم لا يتعداه لغيره
وقال بعض أهل العلم : بل العبرة بحالة السبب ذلك لأن السبب له تأثير في الحكم وإذا كان السبب له تأثير في الحكم فإنه يناط بحالته ، وإذا نظرنا إلى حالة سالم وأبي حذيفة وامرأته وجدناهم قد تأذوا بتكرر دخول سالم عليهم وهم مضطرون لدخوله ، فأرضعته المرأة ليكون ابناً لها ، فمن كانت حالته مثل حالة أبي حذيفة وامرأته من تكرر دخول رجلٍ عليهم وهم محتاجون لدخوله، فللمرأة أن ترضعه ليحرم عليها ، وهذا القول فيه إعمال للأدلة كلها وهو اختيار أبي العباس - رحمه الله - ولا يخالف أحاديث الحولين؛ لأنها عامة وقضية سالم خاصة والخاص مقدم على العام ، ولا ينبغي إبطال شيء من السنة مادام إعمالها ممكناً ، وأما مخالفة أمهات المؤمنين فمعارض بقول عائشة وقول الصحابي ليس بحجة إجماعاً إذا خالفه صحابي آخر..

انتهت المسألة- بحمد الله وتوفيقه-.








المراجع:
ملخص القواعد الفقهية تلخيص لمنظومة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول، محمد بن علي بن محمد الشوكاني
العدة في أصول الفقه ، القاضي أبو يعلى
نهاية الوصول في دراية الأصول،صفي الدين الهندي
. أصول الفقه الذي لا يسع الفقيهَ جهلُه، أ.د. عياض بن نامي السلمي
موقع الألوكة.
موقع الملتقى الفقهي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق