المشاركات الشائعة

الخميس، 9 يناير 2014

تلخيص مسألة ماهو أقل الجمع؟من كتاب روضة الناظر لابن قدامة

بسم الله الرحمن الرحيم
تلخيص مسألة ماهو أقل الجمع؟
- تحرير محل النزاع :
محل الخلاف إنما هو في اللفظ الذي هو مسمى بالجمع نحو "الرجال"و"المسلمين"لا في لفظ الجمع الذي هو مركب من "الجيم","الميم" و"العين".
الأقوال في المسألة:
القول الأول:أن أقل الجمع ثلاثة،وهو قول ابن قدامة وابن عباس وعثمان وابن مسعود- رضي الله عنهم جميعا- ، وأكثر الشافعية و الحنفية والحنابلة،وهو قول جمهور الأصوليين.
أدلتهم:
أولاً: إجماع الصحابة، روي عن عبد الله بن عباس أنه قال لعثمان بن عفان رضي الله عنهما: أن الأخوين لا يردان الأم إلى السدس؛ إنما قال الله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} ، وليس أخوان إخوة في لسان قومك؛ فقال عثمان: لا أستطيع أن أنقض أمرًا كان قبلي، وتوارثه الناس، ومضى في الأمصار.
وجه الإستدلال: هذا الدليل يدل على أن أقل الجمع ثلاثة؛ لأن ابن عباس قاله، وأقره عثمان عليه؛ وإنما صرفه عنه بالإجماع الذي ذكره.
مناقشة وجه الإستدلال: بما روى عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال (الأخوان أخوة)
الجواب: إن صح هذا فيحتمل أن يكون معناه ،أن الاثنين في حكم الجمع في حجب الأم
ثانياً:إن أهل اللغة فرقوا بين التوحيد والتثنية والجمع، وجعلوا للإفراد بابًا وللتثنية بابًا وللجمع بابًا، ولا يخلو لهم كتاب من هذا الترتيب، وإذا كان كذلك؛ وجب أن يختص الجمع بما زاد على الاثنين، كما اختصت التثنية بما زاد على الواحد.
ثالثاً:أن أسماء الحقائق لا تنفى مسمياتها ،فلو كان اسم الجمع يقع على الاثنين حقيقة ،لم يحسن أن يقول القائل :ما رأيت رجلين ،فلما صح النفي دل ذلك على أن الاثنين ليسا جمعا حقيقة ،وأن صيغة الجمع لا تتناولهما وإنما تتناول الثلاثة فما زاد.
رابعا ً:أن صيغة الجمع ينعت بالثلاثة فما فوقها:فيقال: رجال ثلاثة وأربعة ،ولايجوز أن ينعت الاثنين بالرجال،فلا يقال:رجال اثنان، وقالوا:جماعة رجال ، ولم يقولوا جماعة رجلين،فدل ذلك على ماذكرناه
الجواب:بأنه لا يدل على أن الاثنين ليسا بجمع ،لاحتمال أن تكون الثلاثة نعتا لجمع خاص ،وهو الرجال،والاثنان نعتا لجمع خاص وهم الرجلان.
خامساّ: أنه لو نذر أن يتصدق بدراهم ، أو وصى بها ، وأقر بها فإنه يلزمه الثلاثة.
الجواب: دليل ضعيف جدا ، فإن ما ذكروه من المسائل من تفاريع المسألة ،والخلاف فيه كما في الأصل فكيف يتمسك به؟
سادساً: أنهم فصلوا بين الاثنين وضمير الجمع ، فقالوا:في الاثنين :"فعلا وافعلوا"،وقالوا:في الجمع "فعلوا وافعلوا "فإطلاق ضمير الجمع على التثنية رفع لهذا الفصل.
الجواب: دليل ضعيف:لأنه لا يرفع الفصل على ذلك التقدير أيضا،لأنه حاصل بأن لا يطلق ضمير التثنية على ضميرالجمع.
************************************************
القول الثاني : أن أقل الجمع اثنان، وهي رواية عن الإمام مالك وزيد بن ثابت وبعض الشافعية وبعض الحنابلة ومذهب الظاهرية،وبعض النحويين.
أدلتهم:
أولاً: قوله تعالى: (فإن كان له إخوة فلأمه السدس).
وجه الاستدلال: أنه لا خلاف بين العلماء في حجب الأم من الثلث إلى السدس بأخوين فدل ذلك أن أقل الجمع اثنان.
مناقشة وجه الإستدلال: إن صح هذا؛ فيحتمل أن يكون معناه، أن الاثنين في حكم الجمع في حجب الأم.
وجه إستدلال آخر:كان الاثنان في حكم الثلاثة.
والجواب: أن ظاهر الآية كان يقتضي أن لا يحجبها عن الثلث إلى السدس إلا ثلاثة إخوة؛ إلا أنا عدلنا بالآية عن ظاهرها لقيام الدلالة.
ثانياً: أنه ورد في القرآن الكريم إطلاق الجمع على اثنين في آيات كثيرة مما يدل على أن لفظ الجمع يتناول الاثنين فما فوق،ومن الآيات:

* قوله تعالى لموسى وهارون: {فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} وجه الاستدلال: لم يقل: معكما؛ فدل على أن معنى اللفظين واحد.
الجواب عن وجه الاستدلال: أن الله تعالى إنما أراد بذلك: موسى وهارون، ومن آمن معهما من قومهما.

* قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} ؛ وجه الاستدلال: جعلهما طائفتين، ثم أضاف الفعل إليهما بلفظ الجمع
الجواب عن وجه الإستدلال: أن الطائفة اسم للجماعة، بدلالة قوله: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا} ، ولو كانت الطائفة واحدًا، لم يقل: {لَمْ يُصَلُّوا} ؛ فصار المراد به: وإن جماعة من المؤمنين اقتتلوا

* قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} وجه الاستدلال:جمع القلب والخطاب لاثنين فدل على أنهما جمع.
والجواب عن وجه الاستدلال: أن هذا ليس مما نحن فيه بشيء ؛ لأن كل شيء يكون بعضًا لشيء؛ فإن أهل اللسان يعبرون عنه في حال التثنية بلفظ الجمع؛ ليفصلوا به بين ذلك وبين الشيء الذي ليس بعضًا من المضاف إليه، يقولون للاثنين: هذه رءوسكما، وهذه وجوهكما؛ ألا ترى أن الشيء إذا لم يكن بعضًا من المضاف إليه؛ لم يصح ذلك فيه؛ ألا ترى أنه لا يصح أن يقول: هذه أثوابكما، وهذه دوركما، ويريد به ثوبيهما وداريهما، ولكن يقول: هذان ثوباكما وداراكما.
وقيل فيه: إنه لما كان أكثر ما في البدن من الجوارح اثنين اثنين، أقيم القلب أيضًا مقام عضوين؛ فصار في التقدير: كما لهما5 أربعة قلوب؛ فلهذا صح أن يقول: {قَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} .

* وقوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} وجه الاستدلال: أضاف الفعل إليهما بلفظ الجمع.
والجواب عن وجه الاستدلال:: أن الخصم يقع على الواحد والاثنين والجماعة، يقال: رجل خصم، ورجال خصم، وإذا كان كذلك احتمل أن يكون ذلك عبارة عن جمعين.

*قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} ؛ وجه الإستدلال: أضاف الفعل إليهما بلفظ الجمع.
والجواب: أن الخصم يقع على الواحد والاثنين والجماعة، يقال: رجل خصم، ورجال خصم، وإذا كان كذلك احتمل أن يكون ذلك عبارة عن جمعين.
فإن قيل: كان جبريل وميكائيل.
قيل: يجوز أن يكون مع كل واحد منهما ملائكة، وهكذا الجواب عن قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} ؛ لأنه يجوز أن يكون المراد به الجماعة, وتكلم الواحد منهم، وهو القائل منهم: {هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} ، يبين ذلك قوله: {خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} ، ولو كانا اثنين لقال: بغى أحدنا على الآخر. ولم يقل: بغى بعضنا على بعض؛ لأن ذلك إنما يقال: في الجماعتين والقبيلتين.
* قوله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} إلى قوله: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} ، وجه الإستدلال : أضاف الفعل إليهما في أول الآية بلفظ التثنية، وفي آخرها بلفظ الجمع.
والجواب: أنه يحتمل أن يكون المراد به: حكم داود وسليمان وقومهما؛ لأنه تعالى قال: {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} .
ويحتمل أن يكون المراد به: الحكم المشروع لأمة داود، كما يقال: هذا حكم المسلمين، يريد به: الحكم المشروع لهم.
وقيل: المراد به: حكم الأنبياء، والكناية عن جماعتهم.
وقيل: إنه لا بد من محكوم له، فيكون داود وسليمان والمحكوم له، وهو صاحب الكرم؛ لأن الحكم يضاف إلى الحاكم بفعله، وإلى المحكوم له باستحقاقه؛ ولذلك يجوز له مطالبة الحاكم به، فلهذا قال: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} .
فإن قيل: لم يجر ذكر المحكوم له؛ وإنما جرى ذكر الحاكمين.
قيل: ذكر الحاكمين يتضمن ذكر المحكوم له، فكني عن الجميع.
وقيل: إنه على سبيل التفخيم والتعظيم، كما قال: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} ، وهو واحد لا شريك له، وقال: {مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونََ} وأراد به عائشة رضي الله عنها. وقال: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} ، يعني عائشة.

* وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} ؛ وجه الإستدلال: عبر عن الإخوة بالأخوين.
والجواب: أن المراد به: أيها المؤمنون أنتم إخوة، يعني كل واحد منكم أخ لصاحبه، فأصلحوا بين كل أخ قاتَلَ أخاه.
ويحتمل أن يكون المراد بالأخوين: الطائفتين والجماعتين والقبيلتين لأن اسم الأخوين يقع على ذلك.
قال الشاعر:
فالْحَقْ بحلفك في قضاعة إنما ... قيس عليك وخندف أخوانِ
فسمى القبيلتين أخوين، فيصير تقدير الآية: أيها المؤمنون أنتم الإخوة، فأصلحوا بين كل طائفتين من المؤمنين اقتتلوا.
وعلى أنه لا حجة في ذلك؛ لأنه عبر عن الإخوة بالأخوين.

* قوله تعالى في يوسف وأخيه: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا}
والجواب: أنه يحتمل أن يكون المراد به: يوسف وأخوه الذي وجدت السقاية في رحله، والأخ الذي يخالف وقال: {لَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} .
ويحتمل أن يكون أطلق لفظ الجمع مجازًا ، كقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} ، وقوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ} قيل: إنه كان واحدًا.

ثالثا:قوله عليه السلام: "الاثنان فما فوقهما جماعة" وجه الاستدلال:بيان أن الجمع يحصل بالاثنين.
الجواب: أنه قصد به بيان حكم الجمع في الصلاة، لأن كلام النبي يحمل على الأحكام لا على بيان الحقائق.
والجواب الآخر: أنه قصد به بيان حكم الجمع في الصلاة، وأنه يحصل بالاثنين، وإن لم يكن في اللغة جميعًا، ولم يقصد به بيان الجمع؛ لمشاركة الصحابة له في معرفة الأسماء اللغوية.

رابعاً: أن الجمع مشتق من جمع الشيء إلى الشيء وضمه إليه ،وهذا يحصل في الاثنين.
والجواب: أن الاشتقاق لا يدل على حقيقة الاسم؛ لأن اسم الدابة مشتق من دب يدب على الأرض، ولا يسمى الآدمي دابة، وسائر ما يدب على الأرض دابة حقيقة؛ لوجود المعنى الذي اشتق منه.

و يظهر أثر الخلاف في موضع يحتاج فيه إلى أقل الجمع
الفروع الفقية على المسألة:
1- أن يوصي للمساكين ، أو لأقل من يتناول هذا الاسم فمن حمل الجمع في أقله على الثلاث ألزم صرف الوصية إلى الثلاثة ومن قال : أقل الجمع اثنان صرف ذلك إلى الاثنين .
2- يكتفى بالصلاة على الميت باثنين بناء على أن أقل الجمع اثنان،ومن قال أن أقل الجمع ثلاثة أوجب حضور ثلاثة أشخاص .
3- لو حلف شخص أن لا يكلم بني ءادم ،فإنه لا يحنث بكلام الواحد والإثنين بناء على أن أقل الجمع ثلاثة، ومن قال أن أقل الجمع اثنان يحنث بكلام الاثنين .
4- صحة انعقاد صلاة الجمعة باثنين سوى الإمام بناء على أن أقل الجمع اثنان،ومن قال أن أقل الجمع ثلاثة أوجب حضور ثلاثة أشخاص ،وهذا على قول اشتراط العدد بالجمعة .
5- قال تعالى: {امْسَحُوا بِرُءُوسِكُم} قالوا: الباء للتبعيض، وبناءً على ذلك يكون قوله: {امْسَحُوا بِرُءُوسِكُم} أي: بعض رؤوسكم، ولا يجب مسح كلِّ الرأس، وهذا البعض الذي يصدق عليه الجمع إنما هو الثلاث، فأكثر؛ لأنها أقلُّ الجمع، وبناءً على ذلك: أقلّ الرأس ثلاث شعرات، فإذا مسح الثلاث صدق عليه أنه مسح برأسه، وهكذا لو حلق في الحج، أو العمرة ثلاث شعرات، أو قصّر ثلاث شعرات أجزأه وهذا على قول من قال أن أقل الجمع ثلاثة .
6- رجل وصى أن يكفر عنه فقال:أقل ما يكفر ثلاثة أيمان، وأيضا فيمن قال لزوجته :اخلعني على مافي يدي من الدراهم ففعل ،فلم يكن في يدها شيء:لزمها ثلاثة دراهم وهذا بناء على من قال أن أقل الجمع ثلاثة
تم بحمد الله

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جزاكم الله خير وأحسن الله إليكم .. لو سمحتم تصححوا الآية إلى (فقد صغت قلوبكما) بدل (قد صغت قلوبكما).
    وجزاكم الله خير

    ردحذف