الشكر خير عيش السعداء لم يترقوا إلى أعلى المنازل إلا بشكرهم ، ولمّا كان الإيمان صفين ، نصفٌ شكر ونصفٌ صبر ، كان حقيقاً على من نصح نفسه وآثر نجاتها وسعادتها.
تعريف الشكر
الشكر لغةً: الاعتراف بالإحسان، شكرت الله- شكرت لله- شكرت نعمة الله . فالشكر في اللغة هو ظهور أذر الغذاء في جسم الحيوان، والشكور من الدواب ما يكفيه العلف القليل أو الذي يسمن على العلف القليل. والشكر خلاف الكفر.
والشكر الثناء على المحسن بما أولاه من معروف ، وتقول شكرته وشكرت له وقيل اللام أنصح ، والشكران خلاف الكفران.
اشتكرت السماء أي اشتد وقع مطرها. واشتكر الضرع أي امتلأ لبناً .
والشكر الزيادة والنماء.
والشكر في الاصطلاح: ظهور أثر النعم الإلهية على العبد في قلبه إيماناً وفي لسانه حمداً وثناءً وفي جوارحه عبادة وطاعة ويكون القليل من النعمة مستوحياً الكثير من الشكر فكيف إذا كانت النعم كثيرة؟، ومن العباد من هو شاكر ومنهم من هو كافر.
شكرت له، يتعدى باللام ، وكفرت به ؛ يتعدى بالباء!، ولابن القيم نكتة طرفة في هذا فيقول: [المشكور في الحقيقة هي النعمة وهي مضافة إلى المنعم لذلك تقول شكرت له فيتعدى باللام ، أما الكفر ففيه تكذيب وجحد بالنعمة لذلك قالوا كفر بالله وكفر بنعمته وكفر بآلائه فلذلك تعدى بالباء].
هذا الشكر له مقامات عظيمة في الدين:
1- قرن الله ذكره بشكره وكلاهما المراد بالخلق والأمر والصبر خادم لهما ووسيلة إليهما وعوناً عليهما، فقد قرن الله الشكر بالذكر فقال: ((فاذكروني أذكركم واشكروني ولا تكفرون)).
2- قرن الشكر بالإيمان ، وأنه لا غرض له في عذاب الخلق إذا قالوا آمنا (( ماذا يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم))، أي وفيتم حقه وما خلقتم من أجله وهو الشكر بالإيمان.
3- أهل الشكر هم المخصوصين بمنته عليهم من بين عباده فقال تعالى: (( وكذلك فتنّا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين)).
4- قسم الناس إلى شكور وكفور فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهل الكفر وأحب الأشياء إليه الشكر وأهل الشكر (( إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً)).
5- يبتلي عباده ليستخرج الشكور فقال تعالى على لسان سليمان عليه السلام : ((هذا من فضل ربي يبلوني أءشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم)).
6- وعد الشاكرين بالزيادة (( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)).
7- الله يرضى عمل الشاكرين ويرضى الشكر (( إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم)). فيقارن الله بين الشكر والكفر وأنهما ضدّان (( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين)). والشاكرون في هذه الآيات الذين ثبتوا على نعمة الإيمان ولم ينقلبوا على أعقابهم. فمن الناس من لا يصمد عند الابتلاء والمحنة فيكفر ولا يثبت، ومنهم من يظهر لربه حقيقة ما في قلبه عند المحنة والابتلاء ، فيتعالى لسانه بذكر ربه وحمده فيثبت ويشكر شكراً عملياً بالقلب واللسان والجوارح.
8- علّق الله المزيد بالشكر والمزيد من لا نهاية له، كما أن الشكر لا نهاية له، ووقف الله الكثير من الجزاء على المشيئة..
- (( فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء)).
- في الإجابة (( فيكشف ما تدعون إليه إن شاء)).
- في المغفرة ((يغفر لمن يشاء)).
- في الرزق (( يرزق من يشاء)).
- في التوبة ((ويتوب الله على من يشاء)).
أما الشكر فإنه أطلقه (( وسنجزي الشاكرين))،((وسيجزي الله الشاكرين) ولم يقل ((إن شاء))!!
9- أخبر سبحانه وتعالى أن إبليس من مقاصده أن يمنع العباد من الشكر، فتعهد إبليس بأشياء (( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين)) فإبليس يريد حرمانهم من الشكر والقعود بينهم وبينه.
10- وصف الله الشاكرين بأنهم قليل من عباده (( وقليل من عبادي الشكور))، وذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يقول: [اللهم اجعلني من الأقلين] فقال ما هذا؟ قال: [ يا أمير المؤمنين : الله تعالى يقول ((وما آمن معه إلا قليل)) ويقول (( وقليل من عبادي الشكور)) ويقول ((إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم))] قال عمر: صدقت..!!، وإذا كان الشكر من صفات الأنبياء والمؤمنين فإنه ليس كذلك عند كل الناس فإن كثيراً منهم يتمتعون بالنعم ولا يشكرونها.
11- أثنى الله على أول رسول بعثه إلى أهل الأرض بالشكر وهو نوح عليه السلام (( ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكوراً)) إشارة إلى الاقتداء به.
12- أخبر الله أنه يعبده من شكره وأن من لم يشكره فإنه ليس من أهل عبادته : (( واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون)).
13- أمر سبحانه وتعالى عبده موسى أن يتلقى ما آتاه من النبوة والرسالة والتكليف بالشكر (( يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين)).
14- أول وصية أوصى بها الإنسان بعدما عقل أن يشكر له ثم لوالديه (( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير)).
15- أخبر الله أن رضاه في شكره (( إن تشكروا يرضه لكم)).
16- أخبر عن خليله إبراهيم بشكر نعمته (( إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يكن من المشركين شاكراً لأنعمي اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم)). فمن صفات الأمة القدوة الذي يؤتم به بالخير يعدل مثاقيل من أهل الأرض أنه كان قانتاً لله شاكراً لأنعمه فجعل الشكر غاية خليله.
17- الشكر هو الغاية من الخلق(( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون)). فهذه غاية الخلق، أما غاية الأمر (( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون))فكما قضى الله لهم بالنصر فليشكروا هذه النعمة.
والخلاصة أن الشكر غاية الخلق وغاية الأمر فخلق ليشكر وأمر ليشكر (( فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون))، والشكر مراد لنفسه والصبر مراد لغيره، أنت تصبر لأجل أن يحدث ما يترتب عليه وما يؤدي إليه من الأشياء، والشكر غاية في نفسه والصبر وسيلة إلى غيره وإلى ما يحمد وليس مقصوداً لنفسه.
وفي منازل (( إياك نعبد وإياك نستعين )) ذكر ابن القيم في الشكر أيضاً سبعة عشر وجهاً وهي:
1- أنه من أعلى المنازل.
2- فوق منزلة الرضا والزيادة، فالرضا مندرج في الشكر ويستحيل وجود الشكر بدونه.
3- نصف الإيمان شكر ونصفه صبر.
4- أمر الله به ونهى عن ضده.
5- أثنى على أهله ووصفهم بخواص خلقه.
6- جعله غاية خلقه وأمره.
7- وعد أهله بأحسن الجزاء.
8- جعله سبباً للمزيد من فضله.
9- حارساً وحافظاً للنعمة.
10- أهل الشكر هم المنتفعون بآياته.
11- اشتق لهم اسماً من أسمائه (الشكور) وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره بل يعيد الشاكر مشكوراً.
12- غاية الرب من عبده.
13- سمى نفسه شاكراً وشكوراً ، وسمى الشاكرين بهذا الاسم فأعطاهم من وصفه وسماهم باسمه وحسبك بهذا محبة للشاكرين وفضلاً.
14- أخبر الله عن قلة الشاكرين في عباده.
15- الشكر لابد معه من مزيد.
الشكر عكوف القلب على محبة المنعم، والجوارح على طاعته وجريان اللسان بذكره والثناء عليه.
والشكر يتعلق بأمور ثلاث : القلب واللسان والجوارح، ومعنى الشكر ينطوي على معرفة ثلاثة أمور وهي معاني الشكر الثلاثة.
1- معرفة النعمة: استحضارها في الذهن وتمييزها والتيقن منها، فإذا عرف النعمة توصل إلى معرفتها بمعرفة المنعم بها ولو على وجه التفصيل، وهذا ما نجده في القرآن الكريم ليستحضر العبد هذه النعم فيشكر. وإذا عرف النعمة سيبحث العقل عن المنعم فإذا عرف المنعم أحبّه فإذا أحبه جد في طلبه وشكره ومن هنا تحصل العبادة لأنها طريق شكر المنعم وهو الله.
2- قبول النعمة: تلقيها بإظهار الفقر إلى المنعم والحاجة إليه وأن وصول النعم تمّ بغير استحقاق ، فالله أعطانا النعم منّة وتفضّل .
3- الثناء بها: الثناء على المنعم المتعلق بالنعمة نوعان :
عام ß وهو أن تصفه بالجود والكرم والبر والإحسان وسعة العطاء ونحو ذلك.
خاصß أن تتحدث بنعمه عليك وتخبر بوصولها إليك (( وأما بنعمة ربك فحدث)).
والتحديث المأمور به هنا فيه قولان:
1- أن تذكر وتعدد ( أنعم الله علي بكذا وكذا...) ولذلك قال بعض المفسرين اشكر ما ذكره من النعم عليك في هذه السورة من جبرك يتيماً وهدايتك بعد الضلال وإغنائك بعد العيلة.
2- أن تستعملها في طاعته.
فالتحدث بالنعمة من الثناء على الله، فتثني على الله بالأسماء المناسبة لمقام الشكر(المنان-الكريم-ذو الفضل العظيم – الله واسع – عطاؤه كثير).
حديث جابر مرفوعاً: [ من صنع إليه معروفاً فليجزِ به فإن لم يجد ما يجزي به فليثني فإنه إذا أثنى عليه فقد شكره وإن كتمه فقد كفره ومن تحلّى بما لم يُعطَ كان كلابس ثوبي زور).
ومن الثناء كقول جزاك الله خير، و الدعاء أيضاً وسيلة للشكر.
أقسام الخلق في شكر النعمة ثلاثة:
1- شاكر للنعمة مثني بها.
2- جاحد لها كاتم لها.
3- مظهر أنه من أهلها وهو ليس من أهلها ، وكما في الحديث فالمتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور.
وقد روى النعمان بن بشير: [ من لم يشكر القليل؛ لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس؛ لم يشكر الله]. والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر والجماعة رحمة والفرقة عذاب [ رواه أحمد].
والتحدث بالنعمة المأمور به ينبغي أن يكون ذلك في النفس وعند الآخرين ولكن إذا كان عند حاسديها فإن كتم ذكرها ليس من كفرها فهو لم يكتم ذكر النعمة شحاً بذلك وتقصيراً في حق الله لكن لدرء مفسدة وهي حسد صاحب العين وكيده وضرره ودفع الضرر من المقاصد الشرعية.
أما مقابلة النعمة فلايمكن في حق الله (( لن ينال الله لحومها ولا دماءها)) ، فلا سبيل إلى المجازاة ويبقى في قضية الثناء عليه استعمالها فيما يرضيه ، أما المجازاة فلا سبيل إليها ولا ينتفع الله بخلقه شيء.
و واجبنا نحو الله في النعم :
1- الخضوع له، خضوع الشاكر للمشكور.
2- حبه له، حب الشاكر للمشكور.
3- اعترافه بنعمته عليه( الإقرار).
4- الثناء عليه بها.
5- أن لا يستعملها فيما يكره بل يستعملها فيما يرضيه .
وإذا كانت النعم تتفاضل فهل يتفاضل الشكر؟ نعم.
والشكر لله يكون بالقلب واللسان والجوارح.
الشكر بالقلب
علم القلب وذلك بأن يعلم أن الله هو المنعم بكل النعم التي يتقلب فيها [الناس يشكرون المعبر ولا يشكرون المصدر!!]، وهذا مهم في تربية الأطفال، أن يُعرَّف من أين جاءت النعم((يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون))!!
أول نعمة ؛ نعمة الخلق والإيجاد، ورصد النعم والتعرف إليها مرحلة تمهيدية للشكر، وجاءت كثير من الآيات بإحصاء النعم ليكتشف الإنسان كثرتها فيعلم أن النعم لا يمكن حصرها (( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)).
ولكن ذُكِر لنا أشياء فرعية وأصلية ، والفروع نردها إلى أصولها ، كالصحة فهي نعمة أصلية وما يتفرع منها من النعم ( الحركة- المشي-العمل – الرياضة-النوم- الأكل – الشرب - السفر)، كذلك المال والوقت والعلم كلها نعم أصلية.
وتستطيع أن تضم النعم إلى ما يحاذيها ويشابهها، أنعم علينا بوصفنا مخلوقات بعد الخلق والإيجاد ثم نعمة الآدمية والإنسانية وأنعم علينا بوصفنا مسلمين من نعمة الهداية والإيمان. ونعمة التربية التي ترتقي بالفرد درجة بعد درجة وتعلم علماً بعد علم حتى يبلغ كماله، وفوق كل ذلك نعمة النبوة للذين اصطفاهم الله ، والصديقين والشهداء و الصالحين.
إن عرض النعم على العامة أمر مهم جداً وهو قضية في الدعوة، فالله عزوجل خص الآدمي أنه خلقه بيده (( لما خلقت بيدي)).
(( ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار)).
وذكر في سورة النحل(سورة النعم): (( وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون* وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون * وعلامات وبالنجم هم يهتدون * أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون* و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم)) .
(( والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون)).
هذه المنة للإيمان بعد الإسلام أو الإسلام اولاً (( يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين)).
(( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)).
ومن نعمة الهداية يكون الأمن والسكينة والفرج والمغفرة والرحمة والبركة والتيسير وسعة الرزق.
ومن مقاصد ووسائل الدعوة أنك تحدث المدعوين بنعم الله عليهم ليحصل الشكر (( إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون)). فبعض الناس اتجهوا إلى أشياء غريبة في تفسير النعم أو نسبتها إلى مصادر باطلة ليست هي، مثل الذي فعله قارون لما ذكر بنعمة الله عليه فقال (( إنما أوتيته على علم عندي))، فالغرور يجعلهم ينسبون النعمة إلى غير المنعم، وهذا فعل الأشقياء فالله تعالى يقول: (( وما بكم من نعمة فمن الله))((فلينظر الإنسان مما خلق))((فلينظر الإنسان إلى طعامه))((أءنتم أنزلتموه من المزن)) (( وما أنتم له بخازنين)) (( أفرءيتم الماء الذي تشربون*أءنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء لجعلناه أجاجاً فلولا تشكرون)).
الشكر باللسان
لسان المرء يعرب عما في قلبه ، فإذا امتلأ القلب بشكر الله لهج اللسان بحمده والثناء عليه، وتأمل ما في أذكار النبي صلى الله عليه وسلم من الحمد والشكر لرب العالمين..
1- كان لما يفيق من نومه يقول :[الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور]، [الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي وأذن لي بذكره].
2- وإذا أوى إلى فراشه لينام يقول: [الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وآوانا فكم ممن لا كافي له وملا مؤوي].
3- ومن أذكار الصباح والمساء[ اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد والشكر] من قالها حين يصبح فقد أدى شكر ليله.
4- سيد الاستغفار[أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي] اعتراف بالنعمة واعتراف بالتقصير في شكرها لأنه يذنب.
5- يفتتح الأدعية بحمد الله والثناء عليه بما هو أهله.
6- في كل خطبة أو نكاح أو أمر ذي بال يحمد الله.
7- دعاء الاستفتاح – سورة الفاتحة – الرفع من الركوع – أذكار ما بعد السلام – ربنا ولك الحمد – أدعية التهجد – اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن – الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
8- إذا أكل أو شرب أو سئل عن حال أو سافر أو عطس.
9- في أي ساعة يحمد ربه من ليل ونهار ، له في كل تحميدة صدقة.
وقعت يد عائشة على يد النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد في بطن الليل وقدماه منصوبتان يقول: [ اللهم إني أعوذ برضاك من
سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك].
قال صلى الله عليه وسلم : [ يا معاذ إني أحبك فلا تدع أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعنّي على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك].
الشكر بالجوارح
وهي ما سوى القلب واللسان من جوارح، فما من عمل يعمله ابن آدم من الطاعات والعبادات إلا وهو شاكر فيه لنعم ربه سبحانه وتعالى.
والخلاصة في الشكر بالجوارح ؛ العمل الصالح، فعند بلوغ الأربعين (( حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه))، فسأل الله العمل الصالح عقب سؤاله التوفيق على شكر نعمته يعني أن الشكر باللسان وحده لا يكفي.
ومن وسائل الشكر بالجوارح حديث (( كل ابن آدم يصبح وعلى كل سلام ومفصل صدقة)) فكيف يؤدي شكر 360 مفصل؟، كل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وعدد المفاصل 360 إذا شكرها المرء [أمسى يومه وقد زحزح عن النار].
والصدقات كثيرة جمعها ابن رجب في شرحه الأربعين النووية[الصدقات البدنية- المالية-الخبرة من تعليم صنعة أو تصنع لأخرق- التفهيم – التعليم – الوقت – الجاه...]، فذو القرنين مثلاً علم شعباً جاهلاً صناعة السدود حتى تقيهم شر أعدائهم.
المقصود أن المسلم عليه أن يشكر ربه بجوارحه بسائر أنواع الصدقات وكل معروف صدقة ولا يغني شكر يوم عن يوم آخر.
وليس هناك تعارض بين شكر الله وشكر الناس، لأن الله أمر بشكر الناس ، وهو سبحانه الذي أرشدنا إلى شكر الناس إذا صنعوا لنا معروفاً أن نكافئهم وأولهم الوالدين (( اشكر لي ولوالديك)) (( لا يشكر الله من لا يشكر الناس))، فليس شكر المخلوق قادحاً في شكر الخالق بل المشكلة فيمن يشكر المخلوق ولا يشكر الخالق وهذه هي المصيبة، وهناك فرق بين شكر العبد وشكر الرب، فشكر الرب فيه خضوع وذل وعبودية ولا يجوز لشكر العبد أن تعبده وإنما تعطيه شيء مقابل شيء، وتدعو له وتثني عليه ..
شكر الله أيضاً يختلف عن شكر الناس من جهة العبودية والدرجة ومافيه من أنواع الطاعات له سبحانه وتعالى..
والإنسان الذي لا يشكر الناس إنسان لئيم وحريٌ به أن لا يشكر الله..
والنعم تزيد بالشكر وتحفظ من الزوال بالشكر((لئن شكرتم لأزيدنكم)) (( ولا تتمنوا مافضل الله بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله)).
من الأشياء التي تؤدي إلى الشكر:
1- أنك تنظر إلى من هو دونك، قال صلى الله عليه وسلم : [انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله ]. فمما يحفظ العبد من ترك الشكر عندما ينظر إلى من هو فوقه أن هذه قسمة الله (( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما أتاكم)).
2- أن يعلم العبد أنه مسئول عن النعمة (( ثم لتُسألن يومئذ عن النعيم)) ومحاسب عليها حتى الماء البارد، ومن نوقش الحساب عُذِّب.
ويشتط الناس في فهم شكر ما أسبغ الله عليهم من النعم لدرجة أنهم يحرمون أنفسهم منها، والله رضي لنا أن نستمتع وأن نشكر (( كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين))((كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون)).
فلا يمكن أن يكون الشكر بتحريم الحلال وهذا من مباديء الصوفية، فالله رضي لنا أن نستخدم النعم المباحات ونشكره عليها سبحانه وتعالى، ولو كان شرطاً في الانتفاع بالنعمة أداء ثمنها شكراً ؛ ما وفّت كل أعمال العباد ولا على نعمة واحدة[أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي ] فتشكر الله وتعترف بالنعم وتستغفر من التقصير بشكر النعمة.
فالحل أن نستخدم النعم فيما يرضي الله ونثني عليه ونشكره ونستغفره من التقصير في الشكر وهو تعالى رضي منا بهذا..
وقد جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام حتى تفطرت قدماه وتشققت قيل له أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟قال: [ أفلا كون عبداً شكوراً!!]. فتشكر الله على المغفرة.
ومن الوسائل أن ندعو الله أن يعيننا على الشكر[ اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك]، قالها لمعاذ، وسئل الرسول صلى الله عليه وسلم : أي المال نتخذ؟ فلفت نظرهم صلى الله عليه وسلم فقال: [ ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على أمر دينه ودنياه].
قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله ليرضى على العبد أن يأكل الاكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها)).
قال الحسن البصري رحمه الله : إن الله ليمتع بالنعمة ماشاء فإذا لم يشكر عليها قلبها عذاباً ولهذا كانوا يسمون الشكر(الحافظ) لأنه يحفظ النعم الموجودة و ( الجالب) لأنه يجلب النعم المفقودة.
هكذا يحفظ ويحصّل من علو منزلة الشكر وعظمه عند الله، ولا ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبدß قيد النعم، فهو يقيد النعمة ألا تنقلب ولا تهرب.
قال عمر بن عبد العزيز: [قيدوا نعم الله بشكر الله]، والشكر مع المعافاة عند بعض أهل العلم أعظم من الصبر على الابتلاء. فقال مطرف بن عبد الله: [لأن أعافي فأشكر أحبُّ إليّ من أن أُبتلى فأصبر].
فإذا رزقت الشكر على النعمة فإن هذا لا يقل عن الصبر على المصيبة. وقال الحسن: [ أكثروا من ذكر هذه النعم فإن ذكرها شكر وقد أمر الله تعالى نبيه أن يحدث بنعمة ربه (( وأما بنعمة ربك فحدث)) والله يحب من عبده أن يرى عليه أثر نعمته فإن ذلك شكرها بلسان الحال].
وقال أبو رجاء العطاردي: خرج علينا عمران بن حصين وعليه معطف من خزّ لم نره عليه من قبل ولا من بعد فقال: [إن رسول الله قال إذا أنعم الله على عبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته على عبده].
وقال صلى الله عليه وسلم : [كلوا واشربوا وتصدقوا في غير مخيلة ولا سرف فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده]، وهنا الضابط والحد الشرعي، فإذا أردت أن تظهر نعم الله عليك فإن ذلك مقيد في عدم الخيلاء والإسراف .
عن أبي الأحوص عن أبيه قال: أتيت رسول الله وأنا قشف الهيئة فقال هل لك من مال؟قلت نعم قال من أي المال؟ قلت من كل المال ، الإبل ، الرقيق، النعم، الخيل.. قال: [ إذا آتاك الله مالاً فليرَ عليك].
وقال الحسن: إذا أنعم الله على قوم سألهم الشكر فإذا شكروه كان قادراً على أن يزيدهم وإذا كفروه كان قادراً على أن يبعث عليهم عذاباً.
وقد ذم الله الكنود وهو الذي لا يشكر نعمه ، قال الحسن: (إن الإنسان لربه لكنود) أي يعد المصائب وينسى النعم.
وفي النساء أظهر، فلو أحسنت إلى إحداهن الدهر وطيلة العمر ثم رأت منك تقصيراً قالت مارأيت منك خيراً قط!، وهذا ظلم ، والنساء أكثر أهل النار لأنهم يكفرن العشير، وإذا كان ترك شكر نعمة الزوج يؤدي إلى جهنم فما حال من يكفر نعمة الله..؟!!
يا أيها الظالم في فعله
والظلم مردود على من ظلم
إلى متى أنت وحتى متى
تشكو المصيبات وتنسى النعم
والتحدث بالنعم شكر وتركها كفر ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابه سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردوداً منكم فلما قرأت (فبأي آلاء ربكما تكذبان) قالوا: لا شيء من نعمك ربنا نكذب ربنا ولك الحمد..
وقال شُريح: وما أصيب عبد بمصيبة إلا كان لله عليه فيها ثلاث نعم:
1- ألا تكون في دينك.
2- أنها لا تكون أعظم مما كانت.
3- أنها لابد كائنة فقد كانت.
(( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم)).
كان عمر بن عبد العزيز إذا قلّب بصره في نعمة أنعمها الله عليه قال: [ اللهم إني أعوذ بك أن أبدّل نعمتك كفراً وأن أكفرها بعد أن عرفتها وأن أنساها ولا أثني بها]، لأن الله ذم الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رُفعت مائدته قال: [ الحمد لله الذي كفانا وأروانا غير مكفيٍّ ولا مكفور، الحمد لله ربنا غير مكفي ولا مودّع ولا مستغنٍ ربنا].
وكذلك من شكر النعم المتجددة أنك تسجد سجود الشكر وفي ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه أمر فسرّ به فخرّ لله ساجداً، وأبو بكر لما جاءه قتل مسيلمة المرتد الذي ألب عليه العرب وأشد الناس على المسلمين خرّ لله ساجداً، وعلي رضي الله عنه لما رأى ذا الثدية في الخوارج أسود مخدّج مقطوع اليد عند العضد مثل حلمة المرأة، وأنه علامة وآية أنه سيقاتل الخوارج أمرهم فبحثوا في جثث القتلى وأخرجوه ؛ سجد علي رضي الله عنه شكراً لله. وكعب بن مالك سجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما بشر بتوبة الله عليه.
والسنة لم ترد بسجود الشكر يومياً لكنها وردت في النعم المتجددة والتي تذكر بالنعمة المستديمة، ولأن هذه النعم المتجددة العظيمة لها وقع في النفوس والقلوب أعلق بها وأهنأ والإنسان يُعزّى بفقدها فإن ما توجبه من فرح النفس وانبساطها والذي يدفع الأشر والبطر عند نزول النعمة فجأة.
ومن النعم المتجددة كما يقول أحد السلف: بشّرت الحسن بموت الحجاج وهو مختفٍ فخرّ لله ساجداً،فموت ظالم نعمة و ولادة مولود ، وجاء الخبر في الانتصار.
قال ابن القيم: [ الدين نصفان، نصف شكر ونصف صبر، فهو قاعدة كل خير، والشكر مما يحبه الله فهو يحب أن يُشكر عقلاً وشرعاً وفطرةُ]، فوجوب شكره أظهر من كل واجب، وقد فاوت الله بين عباده بالنسبة للنعم الظاهرة والباطنة وفي خلقهم وأخلاقهم و أديانهم وأرزاقهم ومعايشهم. لذلك فقد روى الإمام أحمد في كتاب الزهد: [ قال موسى هلاّ سويت بين عبادك قال إني أحببت أن أشكر]، فالتفاوت بين العباد يؤدي إلى الشكر.
وقد تنازع أهل العلم بين الفقير الصابر والغني الشاكر، أيهما أفضل في كلام طويل، والظاهر أن كل واحد في حق صاحبه أفضل، فالشطر في حق الغني أفضل والصبر في حق الفقير أفضل.
مدونة شرعية تحتوي على معلومات في مختلف مجالات الشريعة من مقالات وبحوث ومعلومات دينية!
المشاركات الشائعة
-
المحاسبة قضية مهمة للغاية ، تدور عليها السعادة ولا يحصل الصلاح إلا بها.. محاسبة النفس أمر عظيم جداً، المحاسبة لا تصلح النفس إلا بها، المح...
-
الطريقة السليمة لكتابة البحوث هنـا http://www.ibnalislam.com/vb/showthread.php?t=560
-
بسم الله الرحمن الرحيم تلخيص مسألة ماهو أقل الجمع؟ - تحرير محل النزاع : محل الخلاف إنما هو في اللفظ الذي هو مسمى بالجمع نحو "الرجال...
-
البحث الأصولي أثر الجهل على التكليف http://www.4shared.com/file/X6-O5apy/_____.html خطة البحث: تشمل خطة البحث على مقدمة ، وعلى التمهيد...
-
المستوى الأول: فقه:أ/سارة اليحي أصول الفقه:أ/أروى العميريني النحو:أ/هلة الزماي القرآن:أ/منيرة الدوسري العقيدة:أ/منال الهويدي التفسير:أ...
-
📌 الدرس الأول :مدخل كتاب التوحيد ♨الدرس مفرغ كتابة هنا http://tadbur.com/up/do.php?id=1850 ♨للاستماع للدرس https://www.youtube.com/wa...
-
هل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب ؟ صورة المسألة: أنه إذا ورد في القرآن أو السنة خطاب بحكم معين واللفظ يقتضي العموم في جميع الأسباب وال...
-
دعاء يحول حياتك الى جنة من قال مستحيل قلت له:جرب اذا ارسلت هذا الدعاء لكل الي عندك كل من قرأ هذاالدعاء هناك ملك يقول ولك مثل اجره يعني...
-
آللّهُمَ طَهِرّ قَلّبِیۓِ .. ۆآشّرَح صَدّرِیۓِ ۆآسّعِدّنِیۓِ ۆتَقَبّل صَلّٱتِیۓِ ...ۆجَمِيّع طَآعَآتِیۓِ .. ۆ...
-
السلاآم عليكم ورحمةة الله وبركاآته،؛ أحاديث منتشرة وهي غير صحيحة المجموعة الأولى: 1/ من قرأ الدعاء في أي وقت فكأنه حج 360 وختم 360.... h...
الأحد، 20 أكتوبر 2013
السبت، 19 أكتوبر 2013
أعمال القلوب - الرضا-
عمل عظيم من أعمال القلوب و من رؤوسها .
الرضا : ضد السخط " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك " .
الرضا : يقال ( في عيشةٍ راضيةٍ ) ، أي : مرضيةٍ ذات رضا .
الرضوان : الرضا الكثير .
الرضا في الشرع : رضا العبد عن الله : أن لا يكره ما يجري به قضاؤه ، و رضا الله عن العبد أن يراه مؤتمراً بأمره منتهياً عن نهيه .
أرضاه : أي أعطاه ما يرضى به ، و ترضَّاه : أي طلب رضاه .
إذا العجوز غضبت فطلِّقِ
و لا ترضَّاها و لا تملَّقِ
و لمَّا كان أعظم رضا هو رضا الله سبحانه و تعالى ؛ خُصَّ لفظ الرضوان بما كان من الله عز وجل (( يبتغون فضلاً من الله و رضواناً )) و قال عز و جل : (( يبشرهم ربهم برحمة منه و رضوان )) . و إذا نظرنا إلى هذا الرضا في القرآن فإننا سنجده في عدد من المواضع . . .
1/ قال الله عز و جل في العمل ابتغاء مرضاته سبحانه : (( و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله و الله رؤوف بالعباد )) ، يشري نفسه : يبيع نفسه بما وعد الله به المجاهدين في سبيله ، ابتغاء مرضاة الله : أي أن هذا الشاري يشري ( يكون مشترياً حقاً)
إذا اشترى طلب مرضاة الله . .
* كذلك في الصدقات ، قال تعالى : (( و مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله )) ،
أي : يتصدقون بها و يحملون في سبيل الله و يقوّون أهل الحاجة من الغزاة و المجاهدين طاعةً لله و طلباً لمرضاته . .
* و قال الله عن الذين يعملون أعمال البر ابتغاء رضاه . .
(( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاح ٍ بين الناس و من يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً)) ، فأخبر تعالى عن عاقبة هذا بقوله : (( فسوف نؤتيه أجراً عظيماً )) إذا فعله ابتغاء مرضاة الله . .
· و قد رضي الله الإسلام ديناً لهذه الأمة ، فهذا مما رضيه سبحانه . .
(( اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام ديناً ))
أي : رضيتُ لكم أن تستسلموا لأمري و تنقادوا لطاعتي على ما شرعته لكم و أن تستسلموا لشرعي و تنقادوا إليه طاعةً منكم لي
· و كذلك قوله تعالى : (( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم كثيراً مما كنتم تُخفون من الكتاب و يعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور و كتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام و يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه و يهديهم إلى صراط مستقيم )) ، فيهدي سبحانه بهذا الكتاب المبين و يرشد و يسدِّد . .
* و الرضا من الله سبحانه و تعالى أن يقبل العبد و هو مدح و ثناء ، و كذلك فإنه عز و جل يرضى عنه و يقتضي رضاه على العبد الثناء عليه ومدحه . .
· و قال عز و جل عن المنافقين و هم يحلفون الأيمان . .
(( يحلفون بالله لكم ليرضوكم و الله و رسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ))
فهؤلاء المنافقين يريدون بالأيمان الكاذبة الخداع ، و يريدون الكيد للمسلمين و يحلفون الأيمان الفاجرة أنهم لا يريدون شراً بالمسلمين و أنهم لا يريدون المكيدة لهم ، و لكنّ الله أبى أن يقبل المسلمون منهم هذا . . و لو أنهم كانوا صادقين لأرضوا ربهم تبارك و تعالى و ليس أن يسعوا في إرضاء المخلوقين . .
* و كذلك فإن الله سبحانه ذكر في كتابه العزيز الذي يبني المساجد ابتغاء مرضاة الله ..
(( أ فمن أسّس بنيانه على تقوى من الله و رضوان خير أمّن بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم )) فهؤلاء الذين بنوا المساجد خير أيها الناس عندكم من الذين ابتدؤوا البناء على اتقاء الله بطاعته في بنائه و أداء فرائضه و رضا من الله لبنائهم ، فما فعلوه هو خير لهم . أما الذين ابتدؤوا بناءهم على شفا جرف هار فستكون عاقبتهم في النار ، فأيّ الفريقين خيرٌ إذاً ؟!!
· كذلك أثنى الله على الفقراء المهاجرين الذين خرجوا من مكة إلى المدينة و تركوا ديارهم و أموالهم يبتغون فضلاً من الله و رضواناً
· و كذلك أراد الله أن يولّي نبيه قِبلة يرضاها فجعل يحوّل النبي صلى الله عليه و سلم
و يصرف بصره في السماء يتمنى أن تحوّل القِبلة من بيت المقدس إلى الكعبة حتى أنزل الله
(( فلنولّينّك قِبلة ترضاها )) أي : فلنصرفنّك عن بيت المقدس إلى قِبلة تهواها و تحبّها .
· أداء الواجبات سبيل إلى رضوان الله عز و جل . .
(( الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل الله بأموالهم و أنفسهم أعظم درجة عند الله و أولئك هم الفائزون )) . . و النتيجة ؟!! (( يبشرهم ربهم برحمة منه و رضوان
و جنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم )) . .
· وكذلك الصبر على الطاعة و العبادة يؤدي إلى حصول الرضا من العبد على الرب و من الرب على العبد ، و من العبد عن الرب و من الرب عن العبد . .
(( فاصبر على ما يقولون و سبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس و قبل غروبها و من آناء الليل فسبِّحْ و أطراف النهار لعلَّك ترضى )) . .
* و الله يرضي أهل الإيمان و الدين لَمَّا ضحَّوا في سبيله ، يرضيهم و يعطيهم يوم القيامة
حتى يأخذوا كل ما كانوا يرجونه و زيادة . .
(( و الذين هاجروا في سبيل الله ثم قُتِلُوا أو ماتوا ليرزقنّهم الله رزقاً حسناً و إن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنّهم مُدْخَلاً يرضونه و إن الله لعليم حليم )) . .
· و إن الصحابة لما جاهدوا في سبيله و اتبعوا نبيه و دافعوا عن شريعته و نشروا دينه و بلّغوا شريعته . .
(( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً )) . .
و هؤلاء الذين هاجروا في سبيل الله لا يوادّون من حادّ الله و رسوله و لو كانوا آباءهم
أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان و أيّدهم بروحٍ منه و يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم و رضوا عنه ..
فالرضا هنا متبادل بين الرب و العبد . .
و يوم القيامة ستكون العيشة الراضية عاقبة هؤلاء و أهل اليمين ، قال تعالى : (( فأما من أوتي كتابه بيمينه * فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه * إني ظننت أني مُلاقٍ حسابيه * فهو في عيشة راضية )) ، و قال تعالى : (( وجوه يومئذٍ ناعمة * لسعيها راضية )) ، و قال تعالى : (( يا أيّتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضيّة )) ، و قال تعالى : (( و سيجنّبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكّى * و ما لأحدٍ عنده من نعمةٍ تُجْزَى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * و لسوف يرضى ))،و قال تعالى : (( فأما من ثَقُلَتْ موازينه *فهو في عيشة راضية )) . .
· رضا الله عز و جل أعلى مطلوب للنبيّين و الصديقين . .
(( ذكر رحمت ربك عبده زكريّا * إذ نادى ربه نداءً خفياً * قال ربِّ إنّي وهن العظم منّي و اشتعل الرأس شيباً و لم أكن بدعائك ربِّ شقياً * و إني خفت الموالي من ورائي و كانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك وليّاً * يرثني و يرث من آل يعقوب و اجعله ربِّ رضِيَّاً )) .
(( و اذكر في الكتاب إسماعيل إن كان صادق الوعد و كان رسولاً نبياً * و كان يأمر أهله بالصلاة و الزكاة و كان عند ربه مرضيَّاً )) . .
ماذا فعل موسى عندما استعجل لقاء الله ؟! و لماذا استعجل ؟!!
(( و ما أعجلك عن قومك يا موسى * قال هم أولاء على أثري و عجلتُ إليك ربِّ لترضى )) .. استعجل الخير و اللقاء لينال رضا الله . .
و كذلك سليمان عليه السلام لما سمع كلام النملة تبسم ضاحكاً من قولها ، و قال :
(( ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي َّ و على والديَّ و أن أعمل صالحاً ترضاه )) . .
وكذلك فإن هذا الإنسان الذي يبلغ أشده و يبلغ أربعين سنة يقول صاحبه :
(( ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ و على والديَّ و أن أعمل صالحاً ترضاه )) . .
و هذا مطلوب الصحابة لمّا عبدوا الله يبتغون فضلاً من الله و رضواناً ..
و يوم القيامة : الفئة هذه المرضيّ عنها هي التي تشفع و الذين لا يرضى الله عنهم
ليسوا من أهل الشفاعة . .
(( يومئذٍ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن و رضي له قولاً )) . .
فأهل رضاه يشفعون . .
و قال عز و جل : (( و لا يشفعون إلا لمن ارتضى )) ..
و شرع الله لنا ديناً يرضيه لنا (( و ليمكّننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم )) . .
و من الأمور التي ينبغي على العبد : أن يرضى بما قسم الله له . .
و يعمل الزوج لكي ترضى زوجاته عن عيشهنّ بالعدل بينهنّ (( * ترجي من تشاء منهنّ و تؤوي إليك من تشاء و من ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقرَّ أعينهنّ و لا يحزنّ و يرضين بما آتيتهنّ كلهنّ )) ..
إذا انتقلنا إلى سنّة النبي صلى الله عليه و سلم ، نجد طائفة من الأحاديث عن الرضا :
· أخبر أن الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها و يشرب الشربة فيحمده عليها .
· أخبر أن الله رضي لنا أن نعبده لا نشرك به شيئاً و أن نعتصم بحبله و ألا نتفرق ،
و كره لنا قيل و قال و كثرة السؤال و إضاعة المال .
· أخبر أن رضا الرب في رضا الوالد .
· أخبر أن السواك مطهرة للفم و مرضاة للرب .
· أخبر أن من التمس رضا الله بسخط الله رضي الله عنه و أرضى عنه الناس .
· أخبر أن ملائكته تلعن المتمردة على زوجها الناشزة عن فراشه حتى يرضى عنها .
· أخبر أنه عندما مات ولده لا يقول إلا ما يُرضي الرب ، فلما مات إبراهيم جعلت عيناه تذرفان ، ثم أتبع الدمعة بدمعةٍ أخرى ، و قال : (( إن العين لتدمع ، و إن القلب ليحزن ، و لا نقول إلا ما يُرضي ربنا ، و إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون )) .
· علّمنا في السجود في الدعاء .
(( نستعيذ برضا الله من سخطه )) .
هذا الرضا شأنه عظيم و أمره كبير و منزلته في الدين عالية ..
هذا الرضا عليه مدار أمورٍ كثيرةٍ من الأمور الصالحات ، هذا الرضا الذي هو من منازل السائرين و السالكين ، ما حكمه ؟
هل هو واجبٌ ؟! أم مستحبٌ ؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله : و أما الرضا فقد تنازع العلماء و المشايخ من أصحاب الإمام أحمد و غيرهم في الرضا بالقضاء ، هل هو واجبٌ أو مستحبٌ على قولين : فعلى الأول يكون من أعمال المقتصدين ، و على الثاني يكون من أعمال المقرَّبين . و الخلاصة : أن أصل الرضا واجب و منازله العليا مستحبّة .
و الرضا له أصلٌ و مراتبٌ أعلى من الأصل . .
فيجب الرضا من جهة الأصل : ( فالذي ليس عنده رضا عن الله و الدين و الشرع و الأحكام فهذا ليس بمسلمٍ ) ..
فلابد لكلِّ مسلمٍ موحّدٍ يؤمن بالله و اليوم الآخر من درجةٍ من الرضا ، أصل الرضا لابد أن يكون متوفّراً ؛ لأنه واجبٌ .. فقد قال صلى الله عليه و سلم : (( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمد نبياً )) ..
قال تعالى : (( فلا و ربك لا يؤمنون حتى يُحَكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيتَ و يُسَلِّموا تسليماً )) و هذا هو الرضا (( و لو أنهم رضوا ما آتاهم الله و رسوله و قالوا حسبنا الله ..)) .. (( ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله و كرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم )) ..
حتى المنهيّات لابد أن نفهم ما معنى الرضا بالمنهيّات ؟!
لا يُشْرَع الرضا بالمنهيّات طبعاً ..
كما لا تُشْرَع محبتها ؛ لأن الله لا يرضاها و لا يحبها..
و الله لا يحب الفساد و لا يرضى لعباده الكفر .. و هؤلاء المنافقين يُبَيّتون ما لا يرضى من القول ، بل اتبعوا ما أسخط الله و كرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم . .
فالرضا الثابت بالنص هو أن يرضى بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً ،يرضى بما شرعه الله لعباده من تحريم حرامٍ أو إيجاب واجبٍ أو إباحة مباحٍ ، يرضى عن الله سبحانه و تعالى و يرضى عن قضائه و قدره و يحمده على كل حالٍ و يعلم أن ذلك لحكمةٍ ، و إن حصل التألم بوقوع المقدور ..
فإن قال قائل : لماذا يحمد العبدُ ربَّه على الضراء ؟ إذا مسّه الضراء ؟.. فالجواب من وجهين :
1/ أن تعلم أن الله أحسنَ كل شيءٍ خلَقه و أتقنَه ، فأنت راضٍ عما يقع في أفعاله؛ لأن هذا من خلقه الذي خلقه ، فالله حكيم لم يفعله إلا لحكمةٍ .
2/ أن الله أعلم بما يصلحك و ما يصلح لك من نفسك ، و اختياره لك خيرٌ من اختيارك لنفسك .
قال صلى الله عليه و سلم : (( و الذي نفسي بيده لا يقضي الله لمؤمنٍ قضاءً إلا كان خيراً له )) و ليس ذلك إلا للمؤمن (( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً ))
فهذا حديثٌ عظيمٌ : فالمسلم في أذكار الصباح و المساء و في أذكار الأذان بعد " أشهد أن محمداً رسول الله "الثانية يقول : (( رضيتُ بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمد نبياً )) ..
رضا بربوبيته سبحانه و رضا برسوله صلى الله عليه و سلم و الانقياد و التسليم و لذلك من حصلت له هذه الأمور الأربعة : الرضا بربوبيته و ألوهيته سبحانه و الرضا برسوله و الانقياد له و الرضا بدينه و التسليم له فهو الصدِّيق حقاً ..
و هي سهلةٌ بالدعوى ، و لكن ما أصعبها عند الامتحان !!!
أما الرضا بالله : فيتضمّن الرضا بمحبته وحده و الرضا بعبادته وحده أن تخافه وحده ترجوه و تتبتّل إليه و تتذلل إليه عز و جل و تؤمن بتدبيره و تحب ذلك و تفرده بالتوكل عليه و الاستعانة به و تكون راضياً عما يفعل عز و جل فهذا رضا بالله ..
ترضى بما قدّر و حكم .. حَكَم أن الزنا حرامٌ ، و أن الربا حرامٌ ، و أن بر الوالدين واجبٌ ، و أن الزكاة فرضٌ ،فيجب أن ترضى بحكمه ..
قدّر عليك أشياء من فقرٍ ، و ضيق حالٍ ، فيجب أن ترضى ..
الرضا بمحمدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً : أن تؤمن به و تنقاد له و تستسلم لأمره و يكون أولى بك من نفسك ، و أنه لو كان موجوداً صلى الله عليه و سلم و وجِّهَ إليه سهمٌ وجب عليك أن تتلقاه عنه و أن تفتديه بنفسك ، و أن تموت فداءً له .
و ترضى بسنّته فلا تتحاكم إلا إليها ..
ترضى بسنّته فلا ترجع إلا إليها و لا تُحَكِّم إلا هي ..
الرضا بالإسلام ديناً : فما في الإسلام من حكمٍ أو أمرٍ أو نهيٍ فإنك ترضى عنه تماماً و ليس في نفسك أيّ حرجٍ و تُسَلِّم تسليماً كاملاً لذلك و لو خالف هواك و لو كان أكثر الناس على خلافه و لو كنتَ في غربةٍ و لو كانت عليك الأعداء مجتمعون فيجب أن ترضى بأحكام الدين و تسعى لتنفيذها و إن خالفتَ العالم ..
سؤال / الرضا هل هو شيءٌ موهبيٌّ أم كسبيٌّ ؟ أي : هل يُوهَبُ من الله أم يمكن للعبد تحصيله ؟ هل هو فطريٌّ أم العبد يُحَصِّل هذا بالمجاهدة و رياضة النفس إذا روَّض نفسه ؟!!
الرضا كسبيٌّ باعتبار سببه ، موهبيٌّ باعتبار حقيقته ..
فإذا تمكن العبد في أسباب الرضا و غرس شجرة الرضا في قلبه جنى الثمرة ..
لأن الرضا آخر التوكل ..
بعدما يعجز التوكل يأتي الرضا ..
و الذي ترسخ قدمه في طريق التوكل ينال الرضا ..
لأن بعد التوكل و التسليم و التفويض يحصُل الرضا ، و بدونها لا يحصل الرضا ،
و لذلك لو قال أحدهم : نريد تحصيل الرضا ، نقول له : يجب أن يكون لديك توكلٌ صحيحٌ و تسليمٌ و تفويضٌ ثم ينتج الرضا بعد ذلك ..
و لذلك لم يُوجِب الله على عباده المنازل العالية من الرضا ؛ لأن ذلك شيءٌ صعبٌ جداً ، و أكثر النفوس ربما لا يحصُل لها ذلك ..
فالله ندب إليه و لم يوجبه ( ليس أساس الرضا و إنما ما فوق ذلك ) ..
فإذا حصل للعبد شيءٌ فإنه لابد أن يكون محفوفاً بنوعيه من الرضا : رضا قبله ، و رضا بعده ..
و كذلك الرضا من الله عز و جل عن العبد إنما هو ثمرة رضا العبد عن الرب سبحانه ، فإذا رضيتَ عن الله رضي الله عنك ..
و الرضا باب الله الأعظم و جَنة الدنيا و مُسْتَراح العارفين و حياة المحبين و نعيم العابدين و هو من أعظم أعمال القلوب ..
قال يحيى بن معاذ لما سئل : متى يبلغ العبد إلى مقام الرضا ؟ قال : (( إذا أقام نفسه على أربعةِ أصولٍ يُعامِل بها ربه ..
يقول : إن أعطيتني قبلتُ ، و إن منعتني رضيتُ ، و إن تركتني عبدتُ ، و إن دعوتني أجبتُ .. )) ..
و الرضا إذا باشر القلب ؛ فإنه يدل على صحة العلم و ليس الرضا و المحبة كالرجاء و الخوف ، فمن الفروق أن أهل الجنة مثلاً لا يخافون في الجنة و لا يرجون مثل رجاء الدنيا .. لكن لا يفارقهم الرضا أبداً ..
فإن دخلوا الجنة فارقهم الخوف (( لا خوفٌ عليهم و لا هم يحزنون )) ..
في الدنيا هناك خوف .. إذا دخلوا الجنة زال الخوف .. أما الرضا فلا يزول .. خارج الجنة و داخلها .. الرضا موجودٌ ..
الخوف و الرجاء في الدنيا ليس موجوداً عند أهل الجنة يفارقون العبد في أحوال..
أما الرضا فلا يفارق العبد لا في الدنيا و لا في البرزخ و لا في الآخرة و لا في الجنة ، ينقطع عنهم الخوف ؛ لأن الشيء الذي كانوا يخافونه أمِنوه بدخولهم الجنة ، و أما الشيء الذي كانوا يرجونه فقد حصل لهم ، أما الرضا فإنه لا يزال معهم و إن دخلوا الجنة : معيشتهم راضيةٌ و هم راضون ، و رضوا عن الله ، و راضون بثوابه و ما آتاهم في دار السلام ..
· هل يشترط أن الرضا إذا حصل لا يكون هناك ألمٌ عند وقوع مصيبة ؟!
الجواب : ليس من شروط الرضا ألا يحس العبد بالألم و المكاره ، بل من شروط الرضا عدم الاعتراض على الحكم و ألا يسخط ، و لذلك فإن الرضا لا يتناقض مع وجود التألم و كراهة النفس لما يحصل من مكروه ..
· فالمريض مثلاً يرضى بشرب الدواء مع أنه يشعر بمرارته و يتألم لمرارته ، لكنه راضٍ بالدواء مطمئنٌ بأخذه مقبلٌ على أخذه ، لكنه في ذات الوقت يَطْعَم مرارة الدواء ..
· الصائم رضي بالصوم و صام و سُرَّ بذلك .. لكنه يشعر بألم الجوع .. هل بشعوره بألم الجوع يكون غير راضٍ بالصيام ؟! لا .. هو راضٍ بالصيام و يشعر بالجوع ..
* المجاهد المخلص في سبيل الله راضٍ عند الخروج للجهاد .. و مُقْدِمٌ عليه .. مقتنع به ..
لكن يحس بالألم .. و التعب .. و الغبار .. و النعاس .. و الجراح ..
إذاً لا يشترط أن يزول الألم و الكراهية للشيء إذا حصل الرضا ، لكن بعض أصحاب المقامات العالية جداً يستلذّون بالألم إذا حصل في الجهاد أو الصيام ..
لكن لا يشترط أن الفرد إذا أحس بالألم في العبادة أن يكون غير راضٍ .. ليس شرطاً .,.
و طريق الرضا طريقٌ مختصرٌ قريبةٌ جداً ، لكن فيها مشقةٌ ، و ليست مشقتها أصعب من مشقة المجاهدة ، و لكن تعتريها عقبتان أو ثلاث : 1/ همةٌ عاليةٌ ،
2/ نفسٌ زكيّةٌ ، 3/ توطين النفس على كل ما يَرِدُ عليها من الله تعالى ..
و يسهُل ذلك على العبد إذا عرف ضعفه و قوة ربه ، و جهله و علم ربه ،
و عجزه و قدرة ربه .. و أن الله رحيمٌ شفيقٌ به ، بارٌّ به ، فهو البرُّ الرحيم ..
فالعبد إذا شهد هذه المقامات رضي ، فالله عليمٌ حكيمٌ وهو رؤوفٌ ، وهو أعلم بما يُصْلِح العبد من العبد ، و توقن أن ما اختاره لك هو الأفضل و الأحسن ..
عباراتٌ أحياناً ترد لكن الإنسان إذا آمن بها وصل إلى المطلوب ..
أحياناً هناك مقاماتٌ إيمانيةٌ يبلغها الإنسان بقلبه و يأخذ بها أجراً عظيماً يرتقي بها عند الله وهي عبارةٌ عن تفكّراتٍ ( يفكّر فيها فيهتدي إليها فيأخذ بها فيحصل على المطلوب فلم يبذل جهداً بل هي أشياءٌ تأمليةٌ ) ..
فالتفكّر من أعظم العبادات ...
فإذا تفكّر العبد أن ما يختاره له ربه هو الأحسن و الأفضل ..
فإذا آمن بها الإنسان رضي ..
و تحصيل الرضا غير معقّدٍ .. كيف ؟!
أن تؤمن بأن ما اختاره الله لك وقدّره عليك هو أحسن شيءٍ لك .. سواءً كان موتُ ولدٍ أو مرضٍ أو تركُ وظيفةٍ ..
لكن أنت قد تجهل لماذا هو أحسن شيءٍ !! أنت لا تعلم لماذا لو أعطاك ليس مصلحتك !!
أنت في حال الفقر لا تعلم لماذا ليس في مصلحتك أن تحصّل المال .. و هكذا ..
فنتيجة إذا اعترف العبد بجهله و آمن بعلم ربه و أن اختياره له أولى و أفضل
و أحسن من اختياره لنفسه ..
وصلنا إلى الرضا ..
* فطريق المحبة و الرضا تسير بالعبد و هو مستلقٍ على فراشه فيصير أمام الركب بمراحل !!
هناك أناسٌ يعملون و يجهدون و صاحب الرضا بعبادته القلبية يسبقهم بمراحل ،
و هم من خلفه مع أنه على فراشه و هم يعملون ؛ لأنه راضٍ عن الله و يتفكّر في هذا الأمر و يؤمن به فيقترب من الله و أناسٌ لم يصلوا لهذا المستوى و يعملون و يجهدون ...
لذلك أعمال القلوب مهمةٌ جداً ؛ لأن المرء يمكن يبلغ بها مراتب عند الله و هو قاعدٌ ..
و هذا لا يعني ألا يعمل و لا يصلي ..
و قد يكون هناك أناسٌ آخرين أكثر منه عملاً ( صيام ــ صدقة ــ حج ) ، لكنهم أقل منه درجةً ..
لماذا ؟!!
لأنك بهذا العلم بأعمال القلوب قد تحصّل مراتب عند الله أكثر منهم ؛ لأن عمل القلب نفسه يرفع العبد في كثيرٍ من الأحيان أكثر من عمل الجوارح …
فأبو بكر ما سبق أهل هذه الأمة لأنه أكثرهم صلاةً و قياماً في الليل ... هناك أناسٌ أكثر منه في عمل العبادات و الجوارح ... لكن سبقهم بشيءٍ وَقَرَ في نفسه ..
الرضا عن الله لو تحققت في صدر العبد ؛ تميز بين مستويات العباد و ترفع هذا فوق هذا .. ينبغي التفطّن لها .. كما تعمل بالجوارح هناك أعمال قلوبٍ لا تقل أهميةً بل هي أعلى منها ، مع الجمع بين الواجب من هذا و ذاك ..
و لكن قد يدرك الإنسان أحياناً بتفطّنه و تأمله و تفكّره و إيمانه مراتب أعلى من الذي أكثر منه عملاً بالجوارح .. و لذلك يقول ابن القيّم :(( فطريق الرضا و المحبة تسيّر العبد و هو مستلقٍ على فراشه فيصبح أمام الركب بمراحل )) " و هو على فراشه " ..
الرضا مقاماتٌ فمنها :
3/ الرضا بما قسم الله و أعطاه من الرزق و هذا ممكنٌ يجيده بعض العوامّ ..
و المرتبة الأعلى :
2/ الرضا بما قدّره الله و قضاه ..
و مرتبةٌ أعلى من هذه ..
1/ أن يرضى بالله بدلاً من كل ما سواه ..
هذه منازل قد يأتي البعض بواحدةٍ و لا يقدر على الأخرى ، و قد يأتي البعض بجزءٍ من الدرجة .. و لا يحقق كل الدرجة ..
قد يرضى عن الله فيما قسم له من الزوجة و لا يرضى بما قسم له في الراتب .. مثلاً ..
قد يصبر على سرقة المال .. و لا يصبر على فقد الولد ..
· و أما أن الإنسان يرضى بالله عن كل ما سواه ، معنى ذلك أن يهجر كل شيءٍ لا يؤدي إلى الله ( ملاهٍ ــ ألعاب ــ أمورٌ مباحةٌ لا تقود إلى الله ) فالمشتغل بها لا يعتبر أنه رضي بالله عن كل ما سواه .. هذه حالةٌ خاصةٌ لشخصٍ مع الله دائماً، كل شيءٍ أي عملٍ أي حركةٍ أي سكنةٍ كلها طريقٌ إلى الله تؤدي إلى مرضاة الله .
درجات الرضا :
· منها الرضا بالله رباً و تسخّط عبادة ما دون الله ، و هذا قطب رحا الإسلام لابد منه ، أن ترضى بالله و لا ترضى بأي إلهٍ آخر .. ( بوذا .. ما يعبده المشركون .. اليهود .. النصارى ) ، لم يتخذ غير الله رباً يسكن إليه في تدبيره و ينزل به حوائجه ..
· و هذا محرومٌ منه غلاة الصوفية المشركون عبّاد القبور ، فينزلون حوائجهم بالأولياء و الأقطاب و يسألونهم و يستغيثون بهم و يتوكّلون عليهم و يرجون منهم ما لا يقدر عليه إلا الله ..
لو آمنوا بالله حقاً لطلبوا المدد من الله و لم يذهبوا إلى المخلوقين في قبورهم ، يقولون :
يا فلان المدد ، يا فلان أغثنا ..!!
ثم يأتي الصوفية و يقولون : نحن متخصّصون بالقلوب و قد ضيّعوا الأساس ..!!
(( قل أ غير الله أبغي رباً و هو ربُّ كل شيءٍ ))؟ قال ابن عباس : " يعني سيداً و إلهاً ، فكيف أطلب رباً غيره و هو ربُّ كل شيءٍ ؟!! "
(( قل أ غير الله أتخذ ولياً فاطرِ السماوات و الأرض )) يعني : أ غير الله أتخذ معبوداً
و ناصرا و مُعيناً و ملجأً ؟!!
ولياً من الموالاة التي تتضمّن الحب و الطاعة ..
(( أ فغير الله أبتغي حكماً و هو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصّلاً )) هل أرضى بحَكَمٍ آخر يحكم بيني و بينكم غير الله بكتابه و سنّة نبيه صلى اله عليه و سلم ..
فلو قال أحدهم : أنا أرضى بالقانون الوضعيّ يحكم بيننا .. هذا لا يمكن أن ينطبق عليه أنه يؤمن بالله ربا ..!! إذاً هناك أناسٌ يدّعون الرضا بالله ثم يخالفون في تعاملاتهم قاعدةً و أساساً من أعظم الأسس ..، فإذا رضيت بالله رباً : يجب أن ترضى به حَكَماً (( إنِ الحُكْمُ إلا لله )) و من خصائصه سبحانه : أن التحكيم و الحُكْمَ له سبحانه وحده ..
ثم إذا تأملتَ هذه الأمور عرفتَ أن كثيراً من الناس يدّعون الرضا بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمدٍ نبياً ثم هنا يخالفون حكم الله و يرضون بحكم غيره و يخالفون السنّة و هناك يميلون و يوالون أصحاب دياناتٍ أخرى ، فأين هم من هذه الثلاثة ؟؟!!
و القرآن مليءٌ بوصف المشركين أنهم اتخذوا من دون الله أولياء !! من تمام الإيمان صحة الموالاة و مدار الإسلام على أن يرضى العبد بعبادة الله وحده و يسخط عبادة غيره ..، و الفرق بين الرضا بالله والرضا عن الله :
أ ــ الرضا بالله : تحدثنا عنه .بأنه الله و أنه المعبود فقط لا غيره و أن الحكم له فقط لا لغيره و أن نرضى بما شرع . و لا يمكن أن يدخل فيه المؤمن و الكافر معاً. لا يكون إلا للمؤمن ..
ب ــ الرضا عن الله : أي : ترضى بما قضى و قدّر .. تكون راضياً عن ربك فيما أحدث لك و خلَق من المقادير .. و يدخل فيه المؤمن و الكافر ..
فلابد من اجتماع الأمرين معاً : الرضا بالله و لرضا عن الله ، و الرضا بالله أعلى شأناً و أرفع قدراً ؛ لأنها مختصّةٌ بالمؤمنين . و الرضا عن الله مشتركةٌ بين المؤمن و الكافر ؛ لأن الرضا بالقضاء قد يصح من المؤمن و الكافر ، فقد تجد تصرّف كافرٍ فتقول : هذا راضٍ بالقضاء و مسلّم و لا اعتراض عنده ، لكنه لم يرضَ بالله رباً .
فالرضا بالله رباً آكد الفروض باتفاق الأمّة .. فمن لا يرضى بالله رباً فلا يصح له إسلامٌ و لا عملٌ ..
· الرضا عن الله .. الرضا بالقضاء .. ما حكمه ؟!
يجب التفصيل أولاً في قضيّة القضاء :
1/ قضاءٌ شرعيٌّ : و هو ما شرعه الله لعباده (( و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إيّاه و بالوالدين إحساناً )) قضى علينا و شرع .. قد يلتزم العباد به و قد لا يلتزمون به ..
2/ قضاءٌ كونيٌّ : كُنْ فيكون .. إذا قضى الله بموتِ شخصٍ .. أو مرضٍ .. أو شفاءٍ .. أو غنىً .. أو فقرٍ .. أو نزولِ مطرٍ .. إذا قضاها فلا رادّ لقضائه ، قضاءٌ كونيٌّ .. لا يستخلف .. لابد أن يقع .. كُنْ فيكون ..
فبالنسبة للقضاء الشرعي أن يكون عندنا رضا به قطعاً و هو أساس الإسلام و قاعدة الإيمان .. لابد أن نرضى بدون أي حرجٍ و لا منازعةٍ و لا معارضةٍ ..
(( فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيتَ و يسلّموا تسليماً )) ..
لكن الرضا بالمقادير التي تقع ، هناك فرقٌ بين الرضا و الصبر ، الرضا بالمقدور
و الصبر على المقدور .. الرضا درجةٌ أعلى من الصبر ..
ليس الرضا عمليةً سهلةً .. و على ذلك يُحْمَل كلام من قال من العلماء إن الرضا ليس بواجبٍ في المقدور ..
الله لم يوجب على عباده أن يرضوا بالمقدور ( المصائب ) ؛ لأن هذه الدرجة لا يستطيعها كل العباد ، و لكن أوجب عليهم الصب ، و هناك فرقٌ بين الرضا و الصبر ..
قد يصبر الإنسان و هو يتجرّع المرارة و ألم المصيبة ، و يمسك نفسه و يحبسها عن النياحة و شقّ الجيب أو قول شيءٍ خطأٍ ، فنقول : هو صابرٌ ..
لكن هل وصل إلى مرحلة الرضا ؟!!
يعني هل وصل إلى مرحلة الطمأنينة و الرضا بهذه المصيبة ؟!!
ليس كل الناس يصلون إلى هذا ..
لا يجوز لطم الخدود و لا النياحة و لا شقّ الجيب ؛ لأن هذا ضد الصبر الواجب، فالرضا لم يوجبه الله على كل عباده .. لكن من وصل إلى الرضا شأنه عظيمٌ ..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( الرضا بالقضاء ثلاثة أنواعٍ :
1ــ أحدها : الرضا بالطاعات : و حكمها طاعةٌ ..
2ــ الرضا بالمصائب : فهذا مأمورٌ به ، فهو إما واجبٌ أو مستحبٌّ ..
أما الواجب : فهو ما يوازي الصبر و هو الدرجة الأولى من الرضا ..
أما الدرجة العليا من الرضا عند المصيبة التي فيها سكينة النفس التامة : فهذا عزيزٌ لا يصل إليه إلا قلّةٌ من المخلوقين ..
و الله من رحمته لم يوجبه عليهم ؛ لأنهم لا يستطيعونه ..
3ــ الرضا بالمعصية : معصيةٌ .. ) ..
· فما حكم الرضا بالكفر و الفسوق و العصيان ؟!
يرى في أهله الخبث و هو راضٍ .. الرضا بالمعصية معصيةٌ حرامٌ ..
الرضا بالكفر .. كفرٌ ..
حكم الرضا بالمعصية .. لا يجوز ..
بل الإنسان مأمورٌ ببغض المعصية ، و الله لا يحب الفساد و لا يرضى لعباده الكفر و لا يحب المعتدين و لا يحب الظلم و لا الظالمين ..
ثمرات الرضا:
إن للرضا ثمراتٌ كثيرةٌ .. على رأسها ..
1ــ الرضا و الفرح و السرور بالرب تبارك و تعالى .. و النبي صلى الله عليه
و سلم كان أرضى الناس بالله و أسرّ الناس بربه و أفرحهم به تبارك و تعالى ..
فالرضا من تمام العبودية و لا تتم العبودية بدون صبرٍ و توكلٍ و رضا و ذلٍّ و خضوعٍ و افتقارٍ إلى الله ..
2ــ إن الرضا يثمر رضا الرب عن عبده ، فإن الله عز و جل رضي بمن يعبده عمّن يعبده على من يعبده و إذا ألححتَ عليه و طلبتَه و تذلّلتَ إليه أقبل عليك.
3ــ الرضا يخلّص من الهمّ و الغمّ و الحزن و شتات القلب و كسف البال و سوء الحال ، و لذلك فإن باب جنة الدنيا يفتَح بالرضا قبل جنة الآخرة ؛ فالرضا يوجب طمأنينة القلب و بَرْده و سكونه و قراره بعكس السخط الذي يؤدي إلى اضطراب القلب و ريبته و انزعاجه و عدم قراره
فالرضا ينزِل على قلب العبد سكينةً لا تتنزّل عليه بغيره و لا أنفع له منها ؛ لأنه متى ما نزلت على قلب العبد السكينة : استقام و صلُحت أحواله و صلُح باله ، و يكون في أمنٍ و دَعَةٍ و طيبِ عيشٍ ..
4ــ الرضا يخلّص العبد من مخاصمة الرب في الشرائع و الأحكام و الأقضية ..
مثلاً إبليس لما أُمِر بالسجود عصى ؟ رفض ؟
لم يرضَ .. كيف أسجد لبشرٍ خلقتَه من ترابٍ ؟ .. فعدم الرضا من إبليس أدّى إلى اعتراضٍ على أمر الله .. فإذاً منافقو عصرنا الذين لا يرضون بحكم الله في الربا و الحجاب و تعدّد الزوجات في كل مقالاتهم في مخاصمةٍ مع الرب سبحانه .. لماذا ؟!!! … كلامهم يدور على مخاصمة الرب في شرعه و إن لم يصرّحوا بهذا .. ! فالرضا يخلّص الإنسان من هذه المخاصمة ..
5ــ الرضا من العدل .. الرضا يُشْعِر العبد بعدل الرب ..و لذلك كان صلى الله عليه و سلم يقول : (( عدلٌ فيَّ قضاؤك )) .. و الذي لا يشعر بعدل الرب فهو جائرٌ ظالمٌ ، فالله أعدل العادلين حتى في العقوبات ..
فقطع يد السارق عقوبةٌ ،فالله عدَل في قضائه و عقوباته فلا يُعْتَرض عليه لا في قضائه و لا في عقوباته ..
6ــ و عدم الرضا إما : 1ــ لفواتِ شيءٍ أخطأك و أنت تحبه و تريده ..
2ــ أو لشيءٍ أصابك و أنت تكرهه و تسخطه .. فيحصل للشخص الذي ليس عنده رضا قلقٌ و اضطرابٌ إذا نزل به ما يكره و فاته ما يحب حصل له أنواع الشقاء النفسي، و إذا كان راضياً لو نزل به ما يكره أو فاته ما يحب ما شقي و لا تألّم ؛ لأن الرضا يمنع عنه هذا الألم ، فلا هو يأسى على ما فاته و لا يفرح بما أوتي .. (( لكيلا تأسوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم )) ..
* الرضا مفيدٌ جداً أن المرء لا يأسف على ما فاته و لا يحزن و لا يتكدّر
على ما أصابه ؛ لأنه مقدّرٌ مكتوبٌ ..
7ــ الرضا يفتح باب السلامة من الغشّ و الحقد و الحسد ؛ لأن المرء إذا لم يرضَ بقسمة الله سيبقى ينظر إلى فلانٍ و فلانٍ .. فيبقى دائماً عينه ضيقةٌ و حاسدٌ
و متمنٍّ زوال النعمة عن الآخرين .. و السخط يدخل هذه الأشياء في قلب صاحبه ..
8ــ الرضا يجعلك لا تشكّ في قضاء الله و قدره و حكمته و علمه .. فتكون مستسلماً لأمره معتقداً أنه حكيمٌ مهما حصل .. لكن الإنسان الساخط يشكّ
و يوسوس له الشيطان ما الحكمة هنا و هنا ؟؟.. !!
و لذلك ( الرضا و اليقين ) أخوان مصطحبان ..
و ( السخط و الشكّ ) توأمان متلاصقان .. !!
· إذا استطعتَ أن تعمل الرضا مع اليقين فافعل ، فإن لم تستطع فإن في الصبر خيراً كثيراً ..
9ــ من أهم ثمرات الرضا : أنه يثمر الشكر . . .
فصاحب السخط لا يشكر .. فهو يشعر أنه مغبونٌ و حقّه منقوصٌ و حظّه مبخوسٌ .. !! لأنه يرى أنه لا نعمة له أصلاً ..!!
السخط نتيجة كفران المنعم و النعم ..!!!
الرضا نتيجة شكران المنعم و النعم ..!!!
10ــ الرضا يجعل الإنسان لا يقول إلا ما يرضي الرب ..
السخط يجعل الإنسان يتكلّم بما فيه اعتراضٌ على الرب ، و ربما يكون فيه قدحٌ في الرب عز و جل ..
صاحب الرضا متجرّدٌ عن الهوى .. و صاحب السخط متّبعٌ للهوى ..
و لا يجتمع الرضا و اتباع الهوى ، لذلك الرضا بالله و عن الله يطرد الهوى ..
صاحب الرضا و اقفٌ مع اختيار الله ..
يحسّ أن عنده كنزٌ إذا رضي الله عنه أكبر من الجنة ..
لأن الله عندما ذكر نعيم الجنة قال : (( و رضوانٌ من الله أكبر )) ..
رضا الله إذا حصل هو أكبر من الجنة و ما فيها ..
و الرضا صفة الله و الجنة مخلوقةٌ .. و صفة الله أكبر من مخلوقاته كلها ..
(( وعد الله المؤمنين و المؤمنات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و مساكنَ طيبةً في جناتِ عدْنٍ و رضوانٌ من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم ))..
رضا الله أكبر من الجنة ..!!!
11ــ الرضا يخلّص العبد من سخط الناس .. لأن الله إذا رضي عن العبد أرضى عنه الناس .. و العبد إذا سعى في مرضاة الله لا يبالي بكلام الناس ..
أما المشكلة إذا سعى في مرضاة الناس فسيجد نفسه متعباً ؛ لأنه لن يستطيع إرضاءهم فيعيش في شقاءٍ .. أما من يسعى لرضا الله فلا يحسب لكلام الناس أي حسابٍ و لن يتعبَ نفسياً .. و لو وصل إليه كلام الناس فلن يؤذيَه نفسياً و لن يبالي مادام الله راضياً عنه ..
12ــ الله يعطي الراضي عنه أشياءَ لم يسألها ، و لا تكون عطايا الله نتيجة الدعاء فقط مادام في مصلحته ..
13ـ الرضا يفرّغ قلب العبد للعبادة .. فهو في صلاته خالٍ قلبُه من الوساوس .. في الطاعة غير مشتّت الذهن .. فيستفيد من العبادة ..الرضا يركّز و يصفّي الذهن فينتفع صاحبه بالعبادة ..
14ــ الرضا له شأنٌ عجيبٌ مع بقية أعمال القلوب الصالحة ، فأجره لا ينقطع و ليس له حدٌّ بخلاف أعمال الجوارح ، فأجرها له حدٌّ تنتهي بمدّةٍ معينةٍ .. فعمل الجوارح محدودٌ .. لكن عمل القلب غير محدودٍ ..
فأعمال الجوارح تتضاعف على حدٍّ معلومٍ محسوبٍ .. أما أعمال القلوب فلا ينتهي تضعيفها و إن غابت عن بال صاحبها .. كيف ؟؟!!
إنسانٌ راضٍ يفكّر بذهنه و قلبه أنه راضٍ عن الله و عن قضائه ، عرضت له مسألةٌ حسابيّةٌ فانشغل ذهنه بها .. العلماء يقولون : أجر الرضا لا ينقطع و إن شُغِل الذهن بشيءٍ ثانٍ ؛ لأن أصله موجودٌ و لو انشغل القلب بشيءٍ ثانٍ الآن ..
إنسانٌ يخاف الله ، أحياناً يحصل له بكاءٌ و وجلٌ نتيجة هذا الخوف ، لو انشغل باله مع ولده يضمّد جراح ولده و نسي موضوع التأمل في الخوف و ما يوجب البكاء و الخشية فلازال أجره على الخوف مستمرّاً؛ لأنه عملٌ قلبيٌّ مركوزٌ في الداخل لم ينتهِ أجره بل هو مستمرٌّ .. و هذا من عجائب أعمال القلوب . . .
و هذا يمكن أن يوضِّح لماذا أجر أعمال القلوب أكثر من أجر أعمال الجوارح ، مع أنه لابد من أعمال الجوارح طبعاً .. لأنه إذا لم يكن هناك أعمال جوارح فالقلب خرِبٌ ..
· هل الرضا يتنافى ( يتعارض ) مع الدعاء ؟!!
لا .. لسبب أن الدعاء يرضي الله و هو مما أمر الله به ..
· هل الإنسان إذا دعا أن يزيل الله عنه مصيبةً لا يكون راضياً ؟!!
الجواب : لا .. ليس هكذا .. لأن الله قال : (( ادعوني أستجب لكم ))
و قال : (( يدعون ربهم خوفاً و طمعاً )) يدعون ربهم يريدون نعماً و دفعَ نقمٍ .
الدعاء لجلبِ منفعةٍ أو دفعِ مضرّةٍ .. فلأن الله قال : ادعوني و لأن الدعاء يرضي الله ، فإن الدعاء لا يتعارض مع الرضا ..
فالمرء لو كان راضياً بالمعصية و سأل الله أن يزيل أثرها أو يعوّضه خيراً ، لم يعارضِ الدعاءُ الرضا .. لأن الله أمرنا أن نسأله الرزق فقال : (( فابتغوا عند الله الرزق )) ..
· هل الرضا يتنافى مع البكاء على الميّت ؟!!
قال شيخ الإسلام : ( البكاء على الميت على وجه الرحمة حسنٌ مستحبٌّ و ذلك لا ينافي الرضا ، بخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه ) .. و بهذا يُعْرَف قوله صلى الله عليه و سلم لما بكى على الميت : (( إن هذه رحمةٌ جعلها الله في قلوب عباده و إنما يرحم الله من عباده الرحماء ..
و ينبغي أن نفرّق ؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم لما رأى ولده إبراهيم يموت بكى لماذا بكى ؟.. رحمةً أو تأسّفاً على فقد الولد !!..
و إن هذا ليس كبكاء من يبكي لحظِّه إلا لرحمة الميت ، فإن الفضيل بن عياض لما مات ابنه علي ضحك و قال : ( رأيت أن الله قد قضى ، فأحببتُ أن أرضى بما قضى الله به ) .. فحاله حالٌ حسنٌ بالنسبة لأهل الجزع ، و أما رحمة الميت مع الرضا بالقضاء و حمد الله على كل حالٍ كما قال صلى الله عليه و سلم فهذا أكمل ..
فإذا قيل : أيهما أكمل : النبي صلى الله عليه و سلم بكى رحمةً بالميت أو الذي من السلف ضحك ؟؟!!
بكاء رحمة الميت مع حمد الله و الرضا بالقضاء أكمل ، كما قال تعالى : (( ثم كان من الذين آمنوا و تواصوا بالصبر و تواصوا بالمرحمة )) فذكر الله التواصي بالصبر
و التواصي بالمرحمة ..
الناس أربعة أقسامٍ : 1ــ منهم من يكون فيه صبرٌ بقوةٍ ( ما فيه رحمة ) .
2ــ و منهم من يكون فيه رحمةٌ بقوةٍ ( ينهار ) .
3ــ و منهم من يكون فيه القسوة و الجزع ( جمع الشر من الطرفين ) .
4ـ المؤمن المحمود الذي يصبر على ما يصيبه و يرحم الناس .
و مما يجب أن يعلم أنه لا يسوغ في العقل و لا في الدين طلب رضا المخلوقين
بإطلاقٍ ؛ لوجهين : 1ــ أحدهما أن هذا غير ممكن ، كما قال الشافعي : ( رضا الناس غايةٌ لا تُدْرَك ) ، فعليك بالأمر الذي يصلحك فالزمه و دع ما سواه و لا تعانِه …
2ــ أنّنا مأمورون أن نتحرّى رضا الله و رسوله (( و الله و رسوله أحقُّ أن
يُرْضوه ))..
· هل نحن مكلّفون أن نرضي الناس كلهم ؟!!
لا ، لسنا مكلّفين ؛ لسببين : 1ــ لأنه غير ممكنٍ ،2ــ لأننا مكلّفون بإرضاء الله و ليس بإرضاء
منقول
http://www.kalemtayeb.com/index.php/kalem/safahat/item/14740
الرضا : ضد السخط " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك " .
الرضا : يقال ( في عيشةٍ راضيةٍ ) ، أي : مرضيةٍ ذات رضا .
الرضوان : الرضا الكثير .
الرضا في الشرع : رضا العبد عن الله : أن لا يكره ما يجري به قضاؤه ، و رضا الله عن العبد أن يراه مؤتمراً بأمره منتهياً عن نهيه .
أرضاه : أي أعطاه ما يرضى به ، و ترضَّاه : أي طلب رضاه .
إذا العجوز غضبت فطلِّقِ
و لا ترضَّاها و لا تملَّقِ
و لمَّا كان أعظم رضا هو رضا الله سبحانه و تعالى ؛ خُصَّ لفظ الرضوان بما كان من الله عز وجل (( يبتغون فضلاً من الله و رضواناً )) و قال عز و جل : (( يبشرهم ربهم برحمة منه و رضوان )) . و إذا نظرنا إلى هذا الرضا في القرآن فإننا سنجده في عدد من المواضع . . .
1/ قال الله عز و جل في العمل ابتغاء مرضاته سبحانه : (( و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله و الله رؤوف بالعباد )) ، يشري نفسه : يبيع نفسه بما وعد الله به المجاهدين في سبيله ، ابتغاء مرضاة الله : أي أن هذا الشاري يشري ( يكون مشترياً حقاً)
إذا اشترى طلب مرضاة الله . .
* كذلك في الصدقات ، قال تعالى : (( و مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله )) ،
أي : يتصدقون بها و يحملون في سبيل الله و يقوّون أهل الحاجة من الغزاة و المجاهدين طاعةً لله و طلباً لمرضاته . .
* و قال الله عن الذين يعملون أعمال البر ابتغاء رضاه . .
(( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاح ٍ بين الناس و من يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً)) ، فأخبر تعالى عن عاقبة هذا بقوله : (( فسوف نؤتيه أجراً عظيماً )) إذا فعله ابتغاء مرضاة الله . .
· و قد رضي الله الإسلام ديناً لهذه الأمة ، فهذا مما رضيه سبحانه . .
(( اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام ديناً ))
أي : رضيتُ لكم أن تستسلموا لأمري و تنقادوا لطاعتي على ما شرعته لكم و أن تستسلموا لشرعي و تنقادوا إليه طاعةً منكم لي
· و كذلك قوله تعالى : (( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم كثيراً مما كنتم تُخفون من الكتاب و يعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور و كتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام و يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه و يهديهم إلى صراط مستقيم )) ، فيهدي سبحانه بهذا الكتاب المبين و يرشد و يسدِّد . .
* و الرضا من الله سبحانه و تعالى أن يقبل العبد و هو مدح و ثناء ، و كذلك فإنه عز و جل يرضى عنه و يقتضي رضاه على العبد الثناء عليه ومدحه . .
· و قال عز و جل عن المنافقين و هم يحلفون الأيمان . .
(( يحلفون بالله لكم ليرضوكم و الله و رسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ))
فهؤلاء المنافقين يريدون بالأيمان الكاذبة الخداع ، و يريدون الكيد للمسلمين و يحلفون الأيمان الفاجرة أنهم لا يريدون شراً بالمسلمين و أنهم لا يريدون المكيدة لهم ، و لكنّ الله أبى أن يقبل المسلمون منهم هذا . . و لو أنهم كانوا صادقين لأرضوا ربهم تبارك و تعالى و ليس أن يسعوا في إرضاء المخلوقين . .
* و كذلك فإن الله سبحانه ذكر في كتابه العزيز الذي يبني المساجد ابتغاء مرضاة الله ..
(( أ فمن أسّس بنيانه على تقوى من الله و رضوان خير أمّن بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم )) فهؤلاء الذين بنوا المساجد خير أيها الناس عندكم من الذين ابتدؤوا البناء على اتقاء الله بطاعته في بنائه و أداء فرائضه و رضا من الله لبنائهم ، فما فعلوه هو خير لهم . أما الذين ابتدؤوا بناءهم على شفا جرف هار فستكون عاقبتهم في النار ، فأيّ الفريقين خيرٌ إذاً ؟!!
· كذلك أثنى الله على الفقراء المهاجرين الذين خرجوا من مكة إلى المدينة و تركوا ديارهم و أموالهم يبتغون فضلاً من الله و رضواناً
· و كذلك أراد الله أن يولّي نبيه قِبلة يرضاها فجعل يحوّل النبي صلى الله عليه و سلم
و يصرف بصره في السماء يتمنى أن تحوّل القِبلة من بيت المقدس إلى الكعبة حتى أنزل الله
(( فلنولّينّك قِبلة ترضاها )) أي : فلنصرفنّك عن بيت المقدس إلى قِبلة تهواها و تحبّها .
· أداء الواجبات سبيل إلى رضوان الله عز و جل . .
(( الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل الله بأموالهم و أنفسهم أعظم درجة عند الله و أولئك هم الفائزون )) . . و النتيجة ؟!! (( يبشرهم ربهم برحمة منه و رضوان
و جنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم )) . .
· وكذلك الصبر على الطاعة و العبادة يؤدي إلى حصول الرضا من العبد على الرب و من الرب على العبد ، و من العبد عن الرب و من الرب عن العبد . .
(( فاصبر على ما يقولون و سبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس و قبل غروبها و من آناء الليل فسبِّحْ و أطراف النهار لعلَّك ترضى )) . .
* و الله يرضي أهل الإيمان و الدين لَمَّا ضحَّوا في سبيله ، يرضيهم و يعطيهم يوم القيامة
حتى يأخذوا كل ما كانوا يرجونه و زيادة . .
(( و الذين هاجروا في سبيل الله ثم قُتِلُوا أو ماتوا ليرزقنّهم الله رزقاً حسناً و إن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنّهم مُدْخَلاً يرضونه و إن الله لعليم حليم )) . .
· و إن الصحابة لما جاهدوا في سبيله و اتبعوا نبيه و دافعوا عن شريعته و نشروا دينه و بلّغوا شريعته . .
(( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً )) . .
و هؤلاء الذين هاجروا في سبيل الله لا يوادّون من حادّ الله و رسوله و لو كانوا آباءهم
أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان و أيّدهم بروحٍ منه و يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم و رضوا عنه ..
فالرضا هنا متبادل بين الرب و العبد . .
و يوم القيامة ستكون العيشة الراضية عاقبة هؤلاء و أهل اليمين ، قال تعالى : (( فأما من أوتي كتابه بيمينه * فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه * إني ظننت أني مُلاقٍ حسابيه * فهو في عيشة راضية )) ، و قال تعالى : (( وجوه يومئذٍ ناعمة * لسعيها راضية )) ، و قال تعالى : (( يا أيّتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضيّة )) ، و قال تعالى : (( و سيجنّبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكّى * و ما لأحدٍ عنده من نعمةٍ تُجْزَى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * و لسوف يرضى ))،و قال تعالى : (( فأما من ثَقُلَتْ موازينه *فهو في عيشة راضية )) . .
· رضا الله عز و جل أعلى مطلوب للنبيّين و الصديقين . .
(( ذكر رحمت ربك عبده زكريّا * إذ نادى ربه نداءً خفياً * قال ربِّ إنّي وهن العظم منّي و اشتعل الرأس شيباً و لم أكن بدعائك ربِّ شقياً * و إني خفت الموالي من ورائي و كانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك وليّاً * يرثني و يرث من آل يعقوب و اجعله ربِّ رضِيَّاً )) .
(( و اذكر في الكتاب إسماعيل إن كان صادق الوعد و كان رسولاً نبياً * و كان يأمر أهله بالصلاة و الزكاة و كان عند ربه مرضيَّاً )) . .
ماذا فعل موسى عندما استعجل لقاء الله ؟! و لماذا استعجل ؟!!
(( و ما أعجلك عن قومك يا موسى * قال هم أولاء على أثري و عجلتُ إليك ربِّ لترضى )) .. استعجل الخير و اللقاء لينال رضا الله . .
و كذلك سليمان عليه السلام لما سمع كلام النملة تبسم ضاحكاً من قولها ، و قال :
(( ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي َّ و على والديَّ و أن أعمل صالحاً ترضاه )) . .
وكذلك فإن هذا الإنسان الذي يبلغ أشده و يبلغ أربعين سنة يقول صاحبه :
(( ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ و على والديَّ و أن أعمل صالحاً ترضاه )) . .
و هذا مطلوب الصحابة لمّا عبدوا الله يبتغون فضلاً من الله و رضواناً ..
و يوم القيامة : الفئة هذه المرضيّ عنها هي التي تشفع و الذين لا يرضى الله عنهم
ليسوا من أهل الشفاعة . .
(( يومئذٍ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن و رضي له قولاً )) . .
فأهل رضاه يشفعون . .
و قال عز و جل : (( و لا يشفعون إلا لمن ارتضى )) ..
و شرع الله لنا ديناً يرضيه لنا (( و ليمكّننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم )) . .
و من الأمور التي ينبغي على العبد : أن يرضى بما قسم الله له . .
و يعمل الزوج لكي ترضى زوجاته عن عيشهنّ بالعدل بينهنّ (( * ترجي من تشاء منهنّ و تؤوي إليك من تشاء و من ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقرَّ أعينهنّ و لا يحزنّ و يرضين بما آتيتهنّ كلهنّ )) ..
إذا انتقلنا إلى سنّة النبي صلى الله عليه و سلم ، نجد طائفة من الأحاديث عن الرضا :
· أخبر أن الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها و يشرب الشربة فيحمده عليها .
· أخبر أن الله رضي لنا أن نعبده لا نشرك به شيئاً و أن نعتصم بحبله و ألا نتفرق ،
و كره لنا قيل و قال و كثرة السؤال و إضاعة المال .
· أخبر أن رضا الرب في رضا الوالد .
· أخبر أن السواك مطهرة للفم و مرضاة للرب .
· أخبر أن من التمس رضا الله بسخط الله رضي الله عنه و أرضى عنه الناس .
· أخبر أن ملائكته تلعن المتمردة على زوجها الناشزة عن فراشه حتى يرضى عنها .
· أخبر أنه عندما مات ولده لا يقول إلا ما يُرضي الرب ، فلما مات إبراهيم جعلت عيناه تذرفان ، ثم أتبع الدمعة بدمعةٍ أخرى ، و قال : (( إن العين لتدمع ، و إن القلب ليحزن ، و لا نقول إلا ما يُرضي ربنا ، و إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون )) .
· علّمنا في السجود في الدعاء .
(( نستعيذ برضا الله من سخطه )) .
هذا الرضا شأنه عظيم و أمره كبير و منزلته في الدين عالية ..
هذا الرضا عليه مدار أمورٍ كثيرةٍ من الأمور الصالحات ، هذا الرضا الذي هو من منازل السائرين و السالكين ، ما حكمه ؟
هل هو واجبٌ ؟! أم مستحبٌ ؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله : و أما الرضا فقد تنازع العلماء و المشايخ من أصحاب الإمام أحمد و غيرهم في الرضا بالقضاء ، هل هو واجبٌ أو مستحبٌ على قولين : فعلى الأول يكون من أعمال المقتصدين ، و على الثاني يكون من أعمال المقرَّبين . و الخلاصة : أن أصل الرضا واجب و منازله العليا مستحبّة .
و الرضا له أصلٌ و مراتبٌ أعلى من الأصل . .
فيجب الرضا من جهة الأصل : ( فالذي ليس عنده رضا عن الله و الدين و الشرع و الأحكام فهذا ليس بمسلمٍ ) ..
فلابد لكلِّ مسلمٍ موحّدٍ يؤمن بالله و اليوم الآخر من درجةٍ من الرضا ، أصل الرضا لابد أن يكون متوفّراً ؛ لأنه واجبٌ .. فقد قال صلى الله عليه و سلم : (( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمد نبياً )) ..
قال تعالى : (( فلا و ربك لا يؤمنون حتى يُحَكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيتَ و يُسَلِّموا تسليماً )) و هذا هو الرضا (( و لو أنهم رضوا ما آتاهم الله و رسوله و قالوا حسبنا الله ..)) .. (( ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله و كرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم )) ..
حتى المنهيّات لابد أن نفهم ما معنى الرضا بالمنهيّات ؟!
لا يُشْرَع الرضا بالمنهيّات طبعاً ..
كما لا تُشْرَع محبتها ؛ لأن الله لا يرضاها و لا يحبها..
و الله لا يحب الفساد و لا يرضى لعباده الكفر .. و هؤلاء المنافقين يُبَيّتون ما لا يرضى من القول ، بل اتبعوا ما أسخط الله و كرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم . .
فالرضا الثابت بالنص هو أن يرضى بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً ،يرضى بما شرعه الله لعباده من تحريم حرامٍ أو إيجاب واجبٍ أو إباحة مباحٍ ، يرضى عن الله سبحانه و تعالى و يرضى عن قضائه و قدره و يحمده على كل حالٍ و يعلم أن ذلك لحكمةٍ ، و إن حصل التألم بوقوع المقدور ..
فإن قال قائل : لماذا يحمد العبدُ ربَّه على الضراء ؟ إذا مسّه الضراء ؟.. فالجواب من وجهين :
1/ أن تعلم أن الله أحسنَ كل شيءٍ خلَقه و أتقنَه ، فأنت راضٍ عما يقع في أفعاله؛ لأن هذا من خلقه الذي خلقه ، فالله حكيم لم يفعله إلا لحكمةٍ .
2/ أن الله أعلم بما يصلحك و ما يصلح لك من نفسك ، و اختياره لك خيرٌ من اختيارك لنفسك .
قال صلى الله عليه و سلم : (( و الذي نفسي بيده لا يقضي الله لمؤمنٍ قضاءً إلا كان خيراً له )) و ليس ذلك إلا للمؤمن (( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً ))
فهذا حديثٌ عظيمٌ : فالمسلم في أذكار الصباح و المساء و في أذكار الأذان بعد " أشهد أن محمداً رسول الله "الثانية يقول : (( رضيتُ بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمد نبياً )) ..
رضا بربوبيته سبحانه و رضا برسوله صلى الله عليه و سلم و الانقياد و التسليم و لذلك من حصلت له هذه الأمور الأربعة : الرضا بربوبيته و ألوهيته سبحانه و الرضا برسوله و الانقياد له و الرضا بدينه و التسليم له فهو الصدِّيق حقاً ..
و هي سهلةٌ بالدعوى ، و لكن ما أصعبها عند الامتحان !!!
أما الرضا بالله : فيتضمّن الرضا بمحبته وحده و الرضا بعبادته وحده أن تخافه وحده ترجوه و تتبتّل إليه و تتذلل إليه عز و جل و تؤمن بتدبيره و تحب ذلك و تفرده بالتوكل عليه و الاستعانة به و تكون راضياً عما يفعل عز و جل فهذا رضا بالله ..
ترضى بما قدّر و حكم .. حَكَم أن الزنا حرامٌ ، و أن الربا حرامٌ ، و أن بر الوالدين واجبٌ ، و أن الزكاة فرضٌ ،فيجب أن ترضى بحكمه ..
قدّر عليك أشياء من فقرٍ ، و ضيق حالٍ ، فيجب أن ترضى ..
الرضا بمحمدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً : أن تؤمن به و تنقاد له و تستسلم لأمره و يكون أولى بك من نفسك ، و أنه لو كان موجوداً صلى الله عليه و سلم و وجِّهَ إليه سهمٌ وجب عليك أن تتلقاه عنه و أن تفتديه بنفسك ، و أن تموت فداءً له .
و ترضى بسنّته فلا تتحاكم إلا إليها ..
ترضى بسنّته فلا ترجع إلا إليها و لا تُحَكِّم إلا هي ..
الرضا بالإسلام ديناً : فما في الإسلام من حكمٍ أو أمرٍ أو نهيٍ فإنك ترضى عنه تماماً و ليس في نفسك أيّ حرجٍ و تُسَلِّم تسليماً كاملاً لذلك و لو خالف هواك و لو كان أكثر الناس على خلافه و لو كنتَ في غربةٍ و لو كانت عليك الأعداء مجتمعون فيجب أن ترضى بأحكام الدين و تسعى لتنفيذها و إن خالفتَ العالم ..
سؤال / الرضا هل هو شيءٌ موهبيٌّ أم كسبيٌّ ؟ أي : هل يُوهَبُ من الله أم يمكن للعبد تحصيله ؟ هل هو فطريٌّ أم العبد يُحَصِّل هذا بالمجاهدة و رياضة النفس إذا روَّض نفسه ؟!!
الرضا كسبيٌّ باعتبار سببه ، موهبيٌّ باعتبار حقيقته ..
فإذا تمكن العبد في أسباب الرضا و غرس شجرة الرضا في قلبه جنى الثمرة ..
لأن الرضا آخر التوكل ..
بعدما يعجز التوكل يأتي الرضا ..
و الذي ترسخ قدمه في طريق التوكل ينال الرضا ..
لأن بعد التوكل و التسليم و التفويض يحصُل الرضا ، و بدونها لا يحصل الرضا ،
و لذلك لو قال أحدهم : نريد تحصيل الرضا ، نقول له : يجب أن يكون لديك توكلٌ صحيحٌ و تسليمٌ و تفويضٌ ثم ينتج الرضا بعد ذلك ..
و لذلك لم يُوجِب الله على عباده المنازل العالية من الرضا ؛ لأن ذلك شيءٌ صعبٌ جداً ، و أكثر النفوس ربما لا يحصُل لها ذلك ..
فالله ندب إليه و لم يوجبه ( ليس أساس الرضا و إنما ما فوق ذلك ) ..
فإذا حصل للعبد شيءٌ فإنه لابد أن يكون محفوفاً بنوعيه من الرضا : رضا قبله ، و رضا بعده ..
و كذلك الرضا من الله عز و جل عن العبد إنما هو ثمرة رضا العبد عن الرب سبحانه ، فإذا رضيتَ عن الله رضي الله عنك ..
و الرضا باب الله الأعظم و جَنة الدنيا و مُسْتَراح العارفين و حياة المحبين و نعيم العابدين و هو من أعظم أعمال القلوب ..
قال يحيى بن معاذ لما سئل : متى يبلغ العبد إلى مقام الرضا ؟ قال : (( إذا أقام نفسه على أربعةِ أصولٍ يُعامِل بها ربه ..
يقول : إن أعطيتني قبلتُ ، و إن منعتني رضيتُ ، و إن تركتني عبدتُ ، و إن دعوتني أجبتُ .. )) ..
و الرضا إذا باشر القلب ؛ فإنه يدل على صحة العلم و ليس الرضا و المحبة كالرجاء و الخوف ، فمن الفروق أن أهل الجنة مثلاً لا يخافون في الجنة و لا يرجون مثل رجاء الدنيا .. لكن لا يفارقهم الرضا أبداً ..
فإن دخلوا الجنة فارقهم الخوف (( لا خوفٌ عليهم و لا هم يحزنون )) ..
في الدنيا هناك خوف .. إذا دخلوا الجنة زال الخوف .. أما الرضا فلا يزول .. خارج الجنة و داخلها .. الرضا موجودٌ ..
الخوف و الرجاء في الدنيا ليس موجوداً عند أهل الجنة يفارقون العبد في أحوال..
أما الرضا فلا يفارق العبد لا في الدنيا و لا في البرزخ و لا في الآخرة و لا في الجنة ، ينقطع عنهم الخوف ؛ لأن الشيء الذي كانوا يخافونه أمِنوه بدخولهم الجنة ، و أما الشيء الذي كانوا يرجونه فقد حصل لهم ، أما الرضا فإنه لا يزال معهم و إن دخلوا الجنة : معيشتهم راضيةٌ و هم راضون ، و رضوا عن الله ، و راضون بثوابه و ما آتاهم في دار السلام ..
· هل يشترط أن الرضا إذا حصل لا يكون هناك ألمٌ عند وقوع مصيبة ؟!
الجواب : ليس من شروط الرضا ألا يحس العبد بالألم و المكاره ، بل من شروط الرضا عدم الاعتراض على الحكم و ألا يسخط ، و لذلك فإن الرضا لا يتناقض مع وجود التألم و كراهة النفس لما يحصل من مكروه ..
· فالمريض مثلاً يرضى بشرب الدواء مع أنه يشعر بمرارته و يتألم لمرارته ، لكنه راضٍ بالدواء مطمئنٌ بأخذه مقبلٌ على أخذه ، لكنه في ذات الوقت يَطْعَم مرارة الدواء ..
· الصائم رضي بالصوم و صام و سُرَّ بذلك .. لكنه يشعر بألم الجوع .. هل بشعوره بألم الجوع يكون غير راضٍ بالصيام ؟! لا .. هو راضٍ بالصيام و يشعر بالجوع ..
* المجاهد المخلص في سبيل الله راضٍ عند الخروج للجهاد .. و مُقْدِمٌ عليه .. مقتنع به ..
لكن يحس بالألم .. و التعب .. و الغبار .. و النعاس .. و الجراح ..
إذاً لا يشترط أن يزول الألم و الكراهية للشيء إذا حصل الرضا ، لكن بعض أصحاب المقامات العالية جداً يستلذّون بالألم إذا حصل في الجهاد أو الصيام ..
لكن لا يشترط أن الفرد إذا أحس بالألم في العبادة أن يكون غير راضٍ .. ليس شرطاً .,.
و طريق الرضا طريقٌ مختصرٌ قريبةٌ جداً ، لكن فيها مشقةٌ ، و ليست مشقتها أصعب من مشقة المجاهدة ، و لكن تعتريها عقبتان أو ثلاث : 1/ همةٌ عاليةٌ ،
2/ نفسٌ زكيّةٌ ، 3/ توطين النفس على كل ما يَرِدُ عليها من الله تعالى ..
و يسهُل ذلك على العبد إذا عرف ضعفه و قوة ربه ، و جهله و علم ربه ،
و عجزه و قدرة ربه .. و أن الله رحيمٌ شفيقٌ به ، بارٌّ به ، فهو البرُّ الرحيم ..
فالعبد إذا شهد هذه المقامات رضي ، فالله عليمٌ حكيمٌ وهو رؤوفٌ ، وهو أعلم بما يُصْلِح العبد من العبد ، و توقن أن ما اختاره لك هو الأفضل و الأحسن ..
عباراتٌ أحياناً ترد لكن الإنسان إذا آمن بها وصل إلى المطلوب ..
أحياناً هناك مقاماتٌ إيمانيةٌ يبلغها الإنسان بقلبه و يأخذ بها أجراً عظيماً يرتقي بها عند الله وهي عبارةٌ عن تفكّراتٍ ( يفكّر فيها فيهتدي إليها فيأخذ بها فيحصل على المطلوب فلم يبذل جهداً بل هي أشياءٌ تأمليةٌ ) ..
فالتفكّر من أعظم العبادات ...
فإذا تفكّر العبد أن ما يختاره له ربه هو الأحسن و الأفضل ..
فإذا آمن بها الإنسان رضي ..
و تحصيل الرضا غير معقّدٍ .. كيف ؟!
أن تؤمن بأن ما اختاره الله لك وقدّره عليك هو أحسن شيءٍ لك .. سواءً كان موتُ ولدٍ أو مرضٍ أو تركُ وظيفةٍ ..
لكن أنت قد تجهل لماذا هو أحسن شيءٍ !! أنت لا تعلم لماذا لو أعطاك ليس مصلحتك !!
أنت في حال الفقر لا تعلم لماذا ليس في مصلحتك أن تحصّل المال .. و هكذا ..
فنتيجة إذا اعترف العبد بجهله و آمن بعلم ربه و أن اختياره له أولى و أفضل
و أحسن من اختياره لنفسه ..
وصلنا إلى الرضا ..
* فطريق المحبة و الرضا تسير بالعبد و هو مستلقٍ على فراشه فيصير أمام الركب بمراحل !!
هناك أناسٌ يعملون و يجهدون و صاحب الرضا بعبادته القلبية يسبقهم بمراحل ،
و هم من خلفه مع أنه على فراشه و هم يعملون ؛ لأنه راضٍ عن الله و يتفكّر في هذا الأمر و يؤمن به فيقترب من الله و أناسٌ لم يصلوا لهذا المستوى و يعملون و يجهدون ...
لذلك أعمال القلوب مهمةٌ جداً ؛ لأن المرء يمكن يبلغ بها مراتب عند الله و هو قاعدٌ ..
و هذا لا يعني ألا يعمل و لا يصلي ..
و قد يكون هناك أناسٌ آخرين أكثر منه عملاً ( صيام ــ صدقة ــ حج ) ، لكنهم أقل منه درجةً ..
لماذا ؟!!
لأنك بهذا العلم بأعمال القلوب قد تحصّل مراتب عند الله أكثر منهم ؛ لأن عمل القلب نفسه يرفع العبد في كثيرٍ من الأحيان أكثر من عمل الجوارح …
فأبو بكر ما سبق أهل هذه الأمة لأنه أكثرهم صلاةً و قياماً في الليل ... هناك أناسٌ أكثر منه في عمل العبادات و الجوارح ... لكن سبقهم بشيءٍ وَقَرَ في نفسه ..
الرضا عن الله لو تحققت في صدر العبد ؛ تميز بين مستويات العباد و ترفع هذا فوق هذا .. ينبغي التفطّن لها .. كما تعمل بالجوارح هناك أعمال قلوبٍ لا تقل أهميةً بل هي أعلى منها ، مع الجمع بين الواجب من هذا و ذاك ..
و لكن قد يدرك الإنسان أحياناً بتفطّنه و تأمله و تفكّره و إيمانه مراتب أعلى من الذي أكثر منه عملاً بالجوارح .. و لذلك يقول ابن القيّم :(( فطريق الرضا و المحبة تسيّر العبد و هو مستلقٍ على فراشه فيصبح أمام الركب بمراحل )) " و هو على فراشه " ..
الرضا مقاماتٌ فمنها :
3/ الرضا بما قسم الله و أعطاه من الرزق و هذا ممكنٌ يجيده بعض العوامّ ..
و المرتبة الأعلى :
2/ الرضا بما قدّره الله و قضاه ..
و مرتبةٌ أعلى من هذه ..
1/ أن يرضى بالله بدلاً من كل ما سواه ..
هذه منازل قد يأتي البعض بواحدةٍ و لا يقدر على الأخرى ، و قد يأتي البعض بجزءٍ من الدرجة .. و لا يحقق كل الدرجة ..
قد يرضى عن الله فيما قسم له من الزوجة و لا يرضى بما قسم له في الراتب .. مثلاً ..
قد يصبر على سرقة المال .. و لا يصبر على فقد الولد ..
· و أما أن الإنسان يرضى بالله عن كل ما سواه ، معنى ذلك أن يهجر كل شيءٍ لا يؤدي إلى الله ( ملاهٍ ــ ألعاب ــ أمورٌ مباحةٌ لا تقود إلى الله ) فالمشتغل بها لا يعتبر أنه رضي بالله عن كل ما سواه .. هذه حالةٌ خاصةٌ لشخصٍ مع الله دائماً، كل شيءٍ أي عملٍ أي حركةٍ أي سكنةٍ كلها طريقٌ إلى الله تؤدي إلى مرضاة الله .
درجات الرضا :
· منها الرضا بالله رباً و تسخّط عبادة ما دون الله ، و هذا قطب رحا الإسلام لابد منه ، أن ترضى بالله و لا ترضى بأي إلهٍ آخر .. ( بوذا .. ما يعبده المشركون .. اليهود .. النصارى ) ، لم يتخذ غير الله رباً يسكن إليه في تدبيره و ينزل به حوائجه ..
· و هذا محرومٌ منه غلاة الصوفية المشركون عبّاد القبور ، فينزلون حوائجهم بالأولياء و الأقطاب و يسألونهم و يستغيثون بهم و يتوكّلون عليهم و يرجون منهم ما لا يقدر عليه إلا الله ..
لو آمنوا بالله حقاً لطلبوا المدد من الله و لم يذهبوا إلى المخلوقين في قبورهم ، يقولون :
يا فلان المدد ، يا فلان أغثنا ..!!
ثم يأتي الصوفية و يقولون : نحن متخصّصون بالقلوب و قد ضيّعوا الأساس ..!!
(( قل أ غير الله أبغي رباً و هو ربُّ كل شيءٍ ))؟ قال ابن عباس : " يعني سيداً و إلهاً ، فكيف أطلب رباً غيره و هو ربُّ كل شيءٍ ؟!! "
(( قل أ غير الله أتخذ ولياً فاطرِ السماوات و الأرض )) يعني : أ غير الله أتخذ معبوداً
و ناصرا و مُعيناً و ملجأً ؟!!
ولياً من الموالاة التي تتضمّن الحب و الطاعة ..
(( أ فغير الله أبتغي حكماً و هو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصّلاً )) هل أرضى بحَكَمٍ آخر يحكم بيني و بينكم غير الله بكتابه و سنّة نبيه صلى اله عليه و سلم ..
فلو قال أحدهم : أنا أرضى بالقانون الوضعيّ يحكم بيننا .. هذا لا يمكن أن ينطبق عليه أنه يؤمن بالله ربا ..!! إذاً هناك أناسٌ يدّعون الرضا بالله ثم يخالفون في تعاملاتهم قاعدةً و أساساً من أعظم الأسس ..، فإذا رضيت بالله رباً : يجب أن ترضى به حَكَماً (( إنِ الحُكْمُ إلا لله )) و من خصائصه سبحانه : أن التحكيم و الحُكْمَ له سبحانه وحده ..
ثم إذا تأملتَ هذه الأمور عرفتَ أن كثيراً من الناس يدّعون الرضا بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمدٍ نبياً ثم هنا يخالفون حكم الله و يرضون بحكم غيره و يخالفون السنّة و هناك يميلون و يوالون أصحاب دياناتٍ أخرى ، فأين هم من هذه الثلاثة ؟؟!!
و القرآن مليءٌ بوصف المشركين أنهم اتخذوا من دون الله أولياء !! من تمام الإيمان صحة الموالاة و مدار الإسلام على أن يرضى العبد بعبادة الله وحده و يسخط عبادة غيره ..، و الفرق بين الرضا بالله والرضا عن الله :
أ ــ الرضا بالله : تحدثنا عنه .بأنه الله و أنه المعبود فقط لا غيره و أن الحكم له فقط لا لغيره و أن نرضى بما شرع . و لا يمكن أن يدخل فيه المؤمن و الكافر معاً. لا يكون إلا للمؤمن ..
ب ــ الرضا عن الله : أي : ترضى بما قضى و قدّر .. تكون راضياً عن ربك فيما أحدث لك و خلَق من المقادير .. و يدخل فيه المؤمن و الكافر ..
فلابد من اجتماع الأمرين معاً : الرضا بالله و لرضا عن الله ، و الرضا بالله أعلى شأناً و أرفع قدراً ؛ لأنها مختصّةٌ بالمؤمنين . و الرضا عن الله مشتركةٌ بين المؤمن و الكافر ؛ لأن الرضا بالقضاء قد يصح من المؤمن و الكافر ، فقد تجد تصرّف كافرٍ فتقول : هذا راضٍ بالقضاء و مسلّم و لا اعتراض عنده ، لكنه لم يرضَ بالله رباً .
فالرضا بالله رباً آكد الفروض باتفاق الأمّة .. فمن لا يرضى بالله رباً فلا يصح له إسلامٌ و لا عملٌ ..
· الرضا عن الله .. الرضا بالقضاء .. ما حكمه ؟!
يجب التفصيل أولاً في قضيّة القضاء :
1/ قضاءٌ شرعيٌّ : و هو ما شرعه الله لعباده (( و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إيّاه و بالوالدين إحساناً )) قضى علينا و شرع .. قد يلتزم العباد به و قد لا يلتزمون به ..
2/ قضاءٌ كونيٌّ : كُنْ فيكون .. إذا قضى الله بموتِ شخصٍ .. أو مرضٍ .. أو شفاءٍ .. أو غنىً .. أو فقرٍ .. أو نزولِ مطرٍ .. إذا قضاها فلا رادّ لقضائه ، قضاءٌ كونيٌّ .. لا يستخلف .. لابد أن يقع .. كُنْ فيكون ..
فبالنسبة للقضاء الشرعي أن يكون عندنا رضا به قطعاً و هو أساس الإسلام و قاعدة الإيمان .. لابد أن نرضى بدون أي حرجٍ و لا منازعةٍ و لا معارضةٍ ..
(( فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيتَ و يسلّموا تسليماً )) ..
لكن الرضا بالمقادير التي تقع ، هناك فرقٌ بين الرضا و الصبر ، الرضا بالمقدور
و الصبر على المقدور .. الرضا درجةٌ أعلى من الصبر ..
ليس الرضا عمليةً سهلةً .. و على ذلك يُحْمَل كلام من قال من العلماء إن الرضا ليس بواجبٍ في المقدور ..
الله لم يوجب على عباده أن يرضوا بالمقدور ( المصائب ) ؛ لأن هذه الدرجة لا يستطيعها كل العباد ، و لكن أوجب عليهم الصب ، و هناك فرقٌ بين الرضا و الصبر ..
قد يصبر الإنسان و هو يتجرّع المرارة و ألم المصيبة ، و يمسك نفسه و يحبسها عن النياحة و شقّ الجيب أو قول شيءٍ خطأٍ ، فنقول : هو صابرٌ ..
لكن هل وصل إلى مرحلة الرضا ؟!!
يعني هل وصل إلى مرحلة الطمأنينة و الرضا بهذه المصيبة ؟!!
ليس كل الناس يصلون إلى هذا ..
لا يجوز لطم الخدود و لا النياحة و لا شقّ الجيب ؛ لأن هذا ضد الصبر الواجب، فالرضا لم يوجبه الله على كل عباده .. لكن من وصل إلى الرضا شأنه عظيمٌ ..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( الرضا بالقضاء ثلاثة أنواعٍ :
1ــ أحدها : الرضا بالطاعات : و حكمها طاعةٌ ..
2ــ الرضا بالمصائب : فهذا مأمورٌ به ، فهو إما واجبٌ أو مستحبٌّ ..
أما الواجب : فهو ما يوازي الصبر و هو الدرجة الأولى من الرضا ..
أما الدرجة العليا من الرضا عند المصيبة التي فيها سكينة النفس التامة : فهذا عزيزٌ لا يصل إليه إلا قلّةٌ من المخلوقين ..
و الله من رحمته لم يوجبه عليهم ؛ لأنهم لا يستطيعونه ..
3ــ الرضا بالمعصية : معصيةٌ .. ) ..
· فما حكم الرضا بالكفر و الفسوق و العصيان ؟!
يرى في أهله الخبث و هو راضٍ .. الرضا بالمعصية معصيةٌ حرامٌ ..
الرضا بالكفر .. كفرٌ ..
حكم الرضا بالمعصية .. لا يجوز ..
بل الإنسان مأمورٌ ببغض المعصية ، و الله لا يحب الفساد و لا يرضى لعباده الكفر و لا يحب المعتدين و لا يحب الظلم و لا الظالمين ..
ثمرات الرضا:
إن للرضا ثمراتٌ كثيرةٌ .. على رأسها ..
1ــ الرضا و الفرح و السرور بالرب تبارك و تعالى .. و النبي صلى الله عليه
و سلم كان أرضى الناس بالله و أسرّ الناس بربه و أفرحهم به تبارك و تعالى ..
فالرضا من تمام العبودية و لا تتم العبودية بدون صبرٍ و توكلٍ و رضا و ذلٍّ و خضوعٍ و افتقارٍ إلى الله ..
2ــ إن الرضا يثمر رضا الرب عن عبده ، فإن الله عز و جل رضي بمن يعبده عمّن يعبده على من يعبده و إذا ألححتَ عليه و طلبتَه و تذلّلتَ إليه أقبل عليك.
3ــ الرضا يخلّص من الهمّ و الغمّ و الحزن و شتات القلب و كسف البال و سوء الحال ، و لذلك فإن باب جنة الدنيا يفتَح بالرضا قبل جنة الآخرة ؛ فالرضا يوجب طمأنينة القلب و بَرْده و سكونه و قراره بعكس السخط الذي يؤدي إلى اضطراب القلب و ريبته و انزعاجه و عدم قراره
فالرضا ينزِل على قلب العبد سكينةً لا تتنزّل عليه بغيره و لا أنفع له منها ؛ لأنه متى ما نزلت على قلب العبد السكينة : استقام و صلُحت أحواله و صلُح باله ، و يكون في أمنٍ و دَعَةٍ و طيبِ عيشٍ ..
4ــ الرضا يخلّص العبد من مخاصمة الرب في الشرائع و الأحكام و الأقضية ..
مثلاً إبليس لما أُمِر بالسجود عصى ؟ رفض ؟
لم يرضَ .. كيف أسجد لبشرٍ خلقتَه من ترابٍ ؟ .. فعدم الرضا من إبليس أدّى إلى اعتراضٍ على أمر الله .. فإذاً منافقو عصرنا الذين لا يرضون بحكم الله في الربا و الحجاب و تعدّد الزوجات في كل مقالاتهم في مخاصمةٍ مع الرب سبحانه .. لماذا ؟!!! … كلامهم يدور على مخاصمة الرب في شرعه و إن لم يصرّحوا بهذا .. ! فالرضا يخلّص الإنسان من هذه المخاصمة ..
5ــ الرضا من العدل .. الرضا يُشْعِر العبد بعدل الرب ..و لذلك كان صلى الله عليه و سلم يقول : (( عدلٌ فيَّ قضاؤك )) .. و الذي لا يشعر بعدل الرب فهو جائرٌ ظالمٌ ، فالله أعدل العادلين حتى في العقوبات ..
فقطع يد السارق عقوبةٌ ،فالله عدَل في قضائه و عقوباته فلا يُعْتَرض عليه لا في قضائه و لا في عقوباته ..
6ــ و عدم الرضا إما : 1ــ لفواتِ شيءٍ أخطأك و أنت تحبه و تريده ..
2ــ أو لشيءٍ أصابك و أنت تكرهه و تسخطه .. فيحصل للشخص الذي ليس عنده رضا قلقٌ و اضطرابٌ إذا نزل به ما يكره و فاته ما يحب حصل له أنواع الشقاء النفسي، و إذا كان راضياً لو نزل به ما يكره أو فاته ما يحب ما شقي و لا تألّم ؛ لأن الرضا يمنع عنه هذا الألم ، فلا هو يأسى على ما فاته و لا يفرح بما أوتي .. (( لكيلا تأسوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم )) ..
* الرضا مفيدٌ جداً أن المرء لا يأسف على ما فاته و لا يحزن و لا يتكدّر
على ما أصابه ؛ لأنه مقدّرٌ مكتوبٌ ..
7ــ الرضا يفتح باب السلامة من الغشّ و الحقد و الحسد ؛ لأن المرء إذا لم يرضَ بقسمة الله سيبقى ينظر إلى فلانٍ و فلانٍ .. فيبقى دائماً عينه ضيقةٌ و حاسدٌ
و متمنٍّ زوال النعمة عن الآخرين .. و السخط يدخل هذه الأشياء في قلب صاحبه ..
8ــ الرضا يجعلك لا تشكّ في قضاء الله و قدره و حكمته و علمه .. فتكون مستسلماً لأمره معتقداً أنه حكيمٌ مهما حصل .. لكن الإنسان الساخط يشكّ
و يوسوس له الشيطان ما الحكمة هنا و هنا ؟؟.. !!
و لذلك ( الرضا و اليقين ) أخوان مصطحبان ..
و ( السخط و الشكّ ) توأمان متلاصقان .. !!
· إذا استطعتَ أن تعمل الرضا مع اليقين فافعل ، فإن لم تستطع فإن في الصبر خيراً كثيراً ..
9ــ من أهم ثمرات الرضا : أنه يثمر الشكر . . .
فصاحب السخط لا يشكر .. فهو يشعر أنه مغبونٌ و حقّه منقوصٌ و حظّه مبخوسٌ .. !! لأنه يرى أنه لا نعمة له أصلاً ..!!
السخط نتيجة كفران المنعم و النعم ..!!!
الرضا نتيجة شكران المنعم و النعم ..!!!
10ــ الرضا يجعل الإنسان لا يقول إلا ما يرضي الرب ..
السخط يجعل الإنسان يتكلّم بما فيه اعتراضٌ على الرب ، و ربما يكون فيه قدحٌ في الرب عز و جل ..
صاحب الرضا متجرّدٌ عن الهوى .. و صاحب السخط متّبعٌ للهوى ..
و لا يجتمع الرضا و اتباع الهوى ، لذلك الرضا بالله و عن الله يطرد الهوى ..
صاحب الرضا و اقفٌ مع اختيار الله ..
يحسّ أن عنده كنزٌ إذا رضي الله عنه أكبر من الجنة ..
لأن الله عندما ذكر نعيم الجنة قال : (( و رضوانٌ من الله أكبر )) ..
رضا الله إذا حصل هو أكبر من الجنة و ما فيها ..
و الرضا صفة الله و الجنة مخلوقةٌ .. و صفة الله أكبر من مخلوقاته كلها ..
(( وعد الله المؤمنين و المؤمنات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و مساكنَ طيبةً في جناتِ عدْنٍ و رضوانٌ من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم ))..
رضا الله أكبر من الجنة ..!!!
11ــ الرضا يخلّص العبد من سخط الناس .. لأن الله إذا رضي عن العبد أرضى عنه الناس .. و العبد إذا سعى في مرضاة الله لا يبالي بكلام الناس ..
أما المشكلة إذا سعى في مرضاة الناس فسيجد نفسه متعباً ؛ لأنه لن يستطيع إرضاءهم فيعيش في شقاءٍ .. أما من يسعى لرضا الله فلا يحسب لكلام الناس أي حسابٍ و لن يتعبَ نفسياً .. و لو وصل إليه كلام الناس فلن يؤذيَه نفسياً و لن يبالي مادام الله راضياً عنه ..
12ــ الله يعطي الراضي عنه أشياءَ لم يسألها ، و لا تكون عطايا الله نتيجة الدعاء فقط مادام في مصلحته ..
13ـ الرضا يفرّغ قلب العبد للعبادة .. فهو في صلاته خالٍ قلبُه من الوساوس .. في الطاعة غير مشتّت الذهن .. فيستفيد من العبادة ..الرضا يركّز و يصفّي الذهن فينتفع صاحبه بالعبادة ..
14ــ الرضا له شأنٌ عجيبٌ مع بقية أعمال القلوب الصالحة ، فأجره لا ينقطع و ليس له حدٌّ بخلاف أعمال الجوارح ، فأجرها له حدٌّ تنتهي بمدّةٍ معينةٍ .. فعمل الجوارح محدودٌ .. لكن عمل القلب غير محدودٍ ..
فأعمال الجوارح تتضاعف على حدٍّ معلومٍ محسوبٍ .. أما أعمال القلوب فلا ينتهي تضعيفها و إن غابت عن بال صاحبها .. كيف ؟؟!!
إنسانٌ راضٍ يفكّر بذهنه و قلبه أنه راضٍ عن الله و عن قضائه ، عرضت له مسألةٌ حسابيّةٌ فانشغل ذهنه بها .. العلماء يقولون : أجر الرضا لا ينقطع و إن شُغِل الذهن بشيءٍ ثانٍ ؛ لأن أصله موجودٌ و لو انشغل القلب بشيءٍ ثانٍ الآن ..
إنسانٌ يخاف الله ، أحياناً يحصل له بكاءٌ و وجلٌ نتيجة هذا الخوف ، لو انشغل باله مع ولده يضمّد جراح ولده و نسي موضوع التأمل في الخوف و ما يوجب البكاء و الخشية فلازال أجره على الخوف مستمرّاً؛ لأنه عملٌ قلبيٌّ مركوزٌ في الداخل لم ينتهِ أجره بل هو مستمرٌّ .. و هذا من عجائب أعمال القلوب . . .
و هذا يمكن أن يوضِّح لماذا أجر أعمال القلوب أكثر من أجر أعمال الجوارح ، مع أنه لابد من أعمال الجوارح طبعاً .. لأنه إذا لم يكن هناك أعمال جوارح فالقلب خرِبٌ ..
· هل الرضا يتنافى ( يتعارض ) مع الدعاء ؟!!
لا .. لسبب أن الدعاء يرضي الله و هو مما أمر الله به ..
· هل الإنسان إذا دعا أن يزيل الله عنه مصيبةً لا يكون راضياً ؟!!
الجواب : لا .. ليس هكذا .. لأن الله قال : (( ادعوني أستجب لكم ))
و قال : (( يدعون ربهم خوفاً و طمعاً )) يدعون ربهم يريدون نعماً و دفعَ نقمٍ .
الدعاء لجلبِ منفعةٍ أو دفعِ مضرّةٍ .. فلأن الله قال : ادعوني و لأن الدعاء يرضي الله ، فإن الدعاء لا يتعارض مع الرضا ..
فالمرء لو كان راضياً بالمعصية و سأل الله أن يزيل أثرها أو يعوّضه خيراً ، لم يعارضِ الدعاءُ الرضا .. لأن الله أمرنا أن نسأله الرزق فقال : (( فابتغوا عند الله الرزق )) ..
· هل الرضا يتنافى مع البكاء على الميّت ؟!!
قال شيخ الإسلام : ( البكاء على الميت على وجه الرحمة حسنٌ مستحبٌّ و ذلك لا ينافي الرضا ، بخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه ) .. و بهذا يُعْرَف قوله صلى الله عليه و سلم لما بكى على الميت : (( إن هذه رحمةٌ جعلها الله في قلوب عباده و إنما يرحم الله من عباده الرحماء ..
و ينبغي أن نفرّق ؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم لما رأى ولده إبراهيم يموت بكى لماذا بكى ؟.. رحمةً أو تأسّفاً على فقد الولد !!..
و إن هذا ليس كبكاء من يبكي لحظِّه إلا لرحمة الميت ، فإن الفضيل بن عياض لما مات ابنه علي ضحك و قال : ( رأيت أن الله قد قضى ، فأحببتُ أن أرضى بما قضى الله به ) .. فحاله حالٌ حسنٌ بالنسبة لأهل الجزع ، و أما رحمة الميت مع الرضا بالقضاء و حمد الله على كل حالٍ كما قال صلى الله عليه و سلم فهذا أكمل ..
فإذا قيل : أيهما أكمل : النبي صلى الله عليه و سلم بكى رحمةً بالميت أو الذي من السلف ضحك ؟؟!!
بكاء رحمة الميت مع حمد الله و الرضا بالقضاء أكمل ، كما قال تعالى : (( ثم كان من الذين آمنوا و تواصوا بالصبر و تواصوا بالمرحمة )) فذكر الله التواصي بالصبر
و التواصي بالمرحمة ..
الناس أربعة أقسامٍ : 1ــ منهم من يكون فيه صبرٌ بقوةٍ ( ما فيه رحمة ) .
2ــ و منهم من يكون فيه رحمةٌ بقوةٍ ( ينهار ) .
3ــ و منهم من يكون فيه القسوة و الجزع ( جمع الشر من الطرفين ) .
4ـ المؤمن المحمود الذي يصبر على ما يصيبه و يرحم الناس .
و مما يجب أن يعلم أنه لا يسوغ في العقل و لا في الدين طلب رضا المخلوقين
بإطلاقٍ ؛ لوجهين : 1ــ أحدهما أن هذا غير ممكن ، كما قال الشافعي : ( رضا الناس غايةٌ لا تُدْرَك ) ، فعليك بالأمر الذي يصلحك فالزمه و دع ما سواه و لا تعانِه …
2ــ أنّنا مأمورون أن نتحرّى رضا الله و رسوله (( و الله و رسوله أحقُّ أن
يُرْضوه ))..
· هل نحن مكلّفون أن نرضي الناس كلهم ؟!!
لا ، لسنا مكلّفين ؛ لسببين : 1ــ لأنه غير ممكنٍ ،2ــ لأننا مكلّفون بإرضاء الله و ليس بإرضاء
منقول
http://www.kalemtayeb.com/index.php/kalem/safahat/item/14740
الخميس، 17 أكتوبر 2013
أعمال القلوب المحاسبة
المحاسبة قضية مهمة للغاية ، تدور عليها السعادة ولا يحصل الصلاح إلا بها..
محاسبة النفس أمر عظيم جداً، المحاسبة لا تصلح النفس إلا بها، المحاسبة من قام بها اليوم أمِن غداً ،المحاسبة أن تنظر في نفسك وتتأمل فيها وتعرف عيوبها، المحاسبة لا نجاة إلا بها (( يوم يبعهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد)).
المحاسبة تصدر من التأمل في هذه النصوص:
((يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرّاً يره)).
المحاسبة انطلاقاً من آثار قوله تعالى: ((يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد))..
المحاسبة تنطلق من الإيمان باليوم الآخر وأن الله يحاسب فيه الخلائق وقد حذرنا الله ذلك اليوم فقال: (( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)).
المحاسبة تنطلق من الإيمان بأسماء الله وصفاته وأنه تعالى الرقيب المهيمن المطّلع على ما تعمل كل نفس وأنه شهيد على أعمالنا فهو الشهيد على أعمال عباده، جعل علينا كراماً كاتبين يحصون أعمالنا(( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مالهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ماعملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً)).
المحاسبة تنطلق من إيمان الإنسان بالهدف، بالغرض، أن يعلم أنه لأي شيء خُلِق ((أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون)) ((أيحسب الإنسان أن يترك سدى)).
محاسبة النفس طريقة المؤمنين وسمة الموحدين وعنوان الخاشعين ، فالمؤمن متق لربه محاسب لنفسه مستغفر لذنبه ، يعلم أن النفس خطرها عظيم، وداؤها وخيم ، ومكرها كبير وشرها مستطير، فهي أمارة بالسوء ميالة إلى الهوى،داعية إلى الجهل، قائدة إلى الهلاك،توّاقة إلى اللهو إلا من رحم الله، فلا تُترك لهواها لأنها داعية إلى الطغيان ، من أطاعها قادته إلى القبائح ، ودعته إلى الرذائل،وخاضت به المكاره،تطلعاتها غريبة،وغوائلها عجيبة،ونزعاتها مخيفة، وشرورها كثيرة، فمن ترك سلطان النفس حتى طغى فإن له يوم القيامة مأوىً من جحيم ((أما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى))،وعلى النقيض(( وأما من خاف مقام ربه ونهة النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)).
الدليل على المحاسبة من القرآن الكريم
الآية التي أمرنا الله فيها بالمحاسبة هي قوله تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم)) تنظر أي تفكر وتتفكر.
يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي – رحمه الله - : يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بما يوجبه الإيمان ويقتضيه من لزوم تقواه سراً وعلانية في جميع الأحوال وأن يراعوا ما أمرهم الله به من أوامره وحدوده وينظروا مالهم وما عليهم وماذا حصلوا عليه من الأعمال التي تنفعهم أو تضرهم يوم القيامة فإنهم إذا جعلوا الآخرة نصب أعينهم وقبلة قلوبهم واهتموا للمقام بها اجتهدوا في كثرة الأعمال الموصلة إليها وتصفيتها من القواطع والعوائق التي توقف عن السير أو تعوقهم أو تصرفهم، وإذا علموا أن الله خبير بما يعملون لا تخفى عليه أعمالهم ولا تضيع لديه ولا يهملها أوجب لهم الجد والاجتهاد.
وقال الشيخ عن هذه الآية: وهذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه وأنه ينبغي له أن يتفقدها فإن رأى زللاً تداركه بالإقلاع عنه والتوبة النصوح والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه وإن رأى نفسه مقصراً في أمر من أوامر الله بذل جهده واستعان بربه في تتميمه وتكميله وإتقانه ويقايس بين منن الله عليه وبين تقصيره هو في حق الله فإن ذلك يوجب الحياء لا محالة، والحرمان كل الحرمان أن يغفل العبد عن هذا الأمر ويشابه قوماً نسوا الله وغفلوا عن ذكره والقيام بحقه وأقبلوا على حظوظ أنفسهم وشهواتها فلم ينجحوا ولم يحصلوا على طائل بل أنساهم الله مصالح أنفسهم وأغفلهم عن منافعها وفوائدها فصار أمرهم فرطاً فرجعوا بخسارة الدارين وغبنوا غبناً لا يمكن تداركه ولا يجبر كسره لأنهم هم الفاسقون.
وقد قال تعالى في كتابه العزيز : (( وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون))، فإذاً ينبغي على العبد أن ينظر في حاله ويحاسبها ويتوب من التقصير فالمحاسبة تقود إلى التوبة (( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)).
ولا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه(( والشريكان يتحاسبان عند نهاية العمل))، ورُوي عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال لها عند الموت :[ماأحد من الناس أحب إليّ من عمر]، ثم قال : كيف قلت؟ فأعادت عليه كلامه، فقال: [لا أحد أعزّ عليّ من عمر]. فانظر كيف نظر بعد الفراغ من الكلمة فتدبرها وأبدلها بكلمة أخرى لأنه رآها أنسب وأحسن وأدق وأصدق..
قال الحسن البصري رحمه الله: [ المؤمن قوّام على نفسه يحاسبها لله وإنما خفّ الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شقّ الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة] ثم قال: [ المؤمن يفجأه الشيء يعجبه فيقول والله إنك تعجبني وإنك من حاجتي ولكن هيهات !حيلي بيني وبينك!]، هذا نموذج من الحساب لشيء يعرض للإنسان مزيّن ويعجبه وتميل إليه نفسه ولكنه يتركه لأنه ليس من مصلحته في الآخرة ، [ ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول ماذا أردتِ بهذا؟!!]، يفرط أي يسبق ويحصل ويقع.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً وقد خرج وخرجت معه حتى دخل حائطاً فسمعته يقول بيني وبينه جدار[ يا أمير المؤمنين!بخٍ!بخٍ!والله لتتقين الله أو ليعذبنّك!]، فهو يذكر نفسه بأن هذا اللقب أمير المؤمنين لا يغني عنه من الله شيئاً..
قال الحسن البصري رحمه الله في قوله تعالى: ((ولا أقسم بالنفس اللوامة)): [ لا يلقى المؤمن إلا وهو يعاتب نفسه، ماذا أردت بكلمتي؟ماذا أردت بأكلتي؟ماذا أردت بشربتي؟والفاجر يمضي قدماً لا يعاتب نفسه].
وقال مالك بن دينار رحمه الله : رحم الله عبداً قال لنفسه ألستِ صاحبة كذا ؟ ألست صاحبة كذا؟ألست صاحبة كذا؟ ثم ذمّها ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله تعالى فكان لها قائداً. وهذا من حساب النفس.
وقال ميمون بن مهران: [ التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان غاشم ومن شريك شحيح].
وقال إبراهيم التميمي: [مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق أبكارها ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها فقلت لنفسي : يا نفس أي شيء تريدين؟قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاً، قال:فأنتِ في الأمنية فاعملي إذاً لتكوني في الجنة في ذلك النعيم].
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: [إن سائر أمراض القلب إنما تنشأ من جانب النفس فالمواد الفاسدة كلها إليها تنصبّ ثم تنبعث منها إلى الأعضاء وأول ما تنال القلب].
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبة الحاجة: (( الحمد لله نستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا))[رواه الترمذي].
وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من شرها عموماً ومن شر ما يتولد منها من الأعمال ومن شر ما يترتب على ذلك من المكاره والعقوبات وجمع الاستعاذة من سيئات النفس وسيئات الأعمال فهذا معناه أن هناك أمرين:
1- أعوذ بك من هذا النوع من الأعمال.
2- المراد به عقوبات الأعمال التي تسوء صاحبها.
فاستعاذ من صفة النفس وعملها أو استعاذ من العقوبات وأسبابها ويدخل العمل السيء في شر النفس لأن النفس الشريرة تولد سيء العمل فاستعاذ منهما جميعاً..
وهذا العمل الذي يسوء صاحبه يوم القيامة وهذه النفس الشريرة التي تأمر بسيء العمل؛لابد من محاسبتها وقد اتفق السالكون إلى الله على اختلاف طرقهم وتباين سلوكهم على أن النفس قاطعة بين القلب وبين الوصول إلى الرب وأن لا يُدخل على الله سبحانه ولا يوصل إليه إلا بعد الظفر بالنفس وكفها عن الشر فإن الناس قسمين:
1- قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته وصار طوعاً لنفسه الشريرة الأمّارة بالسوء تحت أوامرها ويعمل على هواها.
2- قسم ظفروا بأنفسهم فقهروها فصارت طوعاً لهم منقادة لأمرهم.
قال بعض أهل الإيمان والحكمة: (( انتهى سفر الطالبين إلى الظفر بأنفسهم فمن ظفر بنفسه؛ أفلح وأنجح، ومن ظفرت به نفسه خسِر وهلك)).
(( فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)).
ومن لم يحاسب نفسه فاته من الخير بقدر ما فاته من المحاسبة ولذلك على المسلم أن يصون نفسه عن المحرمات ويبتعد عن الشبهات ولا سيما أهل العلم فمن لم يصن نفسه بهذا لم ينفعه علمه لأن العلم للعمل كالسلاح للمجاهد فإذا لم يستعمله ماذا يفيده؟!، وكالأطعمة المدخرة للجائع إذا لم يأكل منها فبماذا تنفعه؟!
يحاول نيل المجد والسيف مغمدٌ
ويأمل إدراك العُلا وهو نائم!
إذاً بدون محاسبة لا يمكن الوصول والذي لا يصون نفسه عن ما يخرم المروءة وعن ما يُكره بعد ما يصونها عن الحرام فهذا إنسان هالك ، فصيانة النفس أصل الفضائل لأن من أهمل نفسه إتكالاً على العلم الذي عنده ( وهذه آفة ينزلق إليها بعض طلبة العلم) ربما لا يحاسبون أنفسهم إتكالاً إلى العلم الذي عندهم فربما يكون هنا الجاهل أو العامي أفضل من هذه الجهة لأنهم يحسون أن أنفسهم قاصرة فيحاسبون ويفتشون ، أما بعض الناس الذي يطغيهم العلم فلا يحاسبون أنفسهم ويتكلون على العلم الذي معهم لأنه يرون به رفعة درجة فلماذا يحاسبون فيتركون الحساب والمحاسبة فتظهر القبائح والعورات فيكون الحسد منهم واتباع الهوى والتنازلات في الفتاوى والأخطاء.
فلذلك محاسبة العلماء لأنفسهم وطلبة العلم ينبغي أن تكون أشد ما تكون لأنه إن حاسب نفسه انتفع ونفع الناس وإذا ترك محاسبة نفسه ضلّ وأضلّ، الجاهل لا يقتدي به أحد، لكن هذا الذي ينصب نفسه قدوة في الدعوة والعلم ثم لا يحاسب نفسه يُهلك..!
أيها العالم إياك الــــزلل
واحذر الهفوة والخطب الجلل!
هفوة العالم مستعظــــمة
إذ بها أصبح في الخلق مثل!
وعلى زلّته عمدتهـــــــم
فبها يحتج بها من أخطأ وزلّ
لا تقل يستر عليّ العلم زلّتي
بل بها يحصل في العلم خلل
إن تكن عندك مستحقــــرة
فهي عند الله والناس جبل
ليس من يتبعه العلــــم في
كل ما دقّ من الأمر وجلّ
مثل من يدفع عنــــه جهله
إن أتى فاحشة قيل قد جهل
انظر الأنجم مهما ســـقطت
من رآها وهي تهوي لم يُبل
فإذا الشمس بدت كاســـــفة
وَجِل الخلق لها كل الوجل
وتراءت نحوها أبصـــــارهم
في انزعاجٍ واضطرابٍ ووجل
وسرى النقص لهم من نقصها
فغدت مظلمة منها السُبُل
وكذا العالِم في زلّتــــــــــه
يفتن العالم طُرّاً و يُضِلّ!
فنحن نرى الآن نماذج كثيرة من إضلال بعض هؤلاء في الفتاوى المتساهلة لأنهم لا يحاسبون أنفسهم وبالتالي يقعون في المزالق وما استقطبهم أهل الشر إليه من الأفخاخ التي نصبوها لهم فقعوا فيها وجاملوا على حساب الدين..
فينبغي على كل الناس أن يحاسبوا أنفسهم الذين عندهم علم والذين ليس لديهم علم، فالذي لديه علم يحاسب نفسه هل عمل به؟وهل هو يقوم به لله؟ وهل يبلغه؟أم يكتمه؟ وهل هو مقصّر فيه؟ وهل عبد ربه به؟وهل بذله للناس صحيحاً أم راعة أهواء بعض القوم فسهّل لهم أشياء بزعمه؟، أما صاحب الجهل فيحاسب نفسه، كيف يعبد الله على جهل؟متى يزيل الجهل؟كيف يزيله؟إلى متى يبقى؟كيف يتعلم؟ وبماذا يبدأ.... وهكذا..
والنفس تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا، والرب يدعو العبد إلى خوفه ونهي النفس عن الهوى والقلب بين الداعيين، يميل إلى هذا الداعي مرة وإلى هذا مرة وهذا موضع الابتلاء والمحنة..
وقد وصف الله النفس في القرآن الكريم بثلاثة أوصاف: المطمئنة واللوامة والأمّارة بالسوء..
فالنفس إذا سكنت إلى الله واطمأنت بذكره وأنابت إليه واشتاقت إلى لقائه وأنست بقربه فهي نفس مطمئنة، وهي التي يقال له عند الوفاة (( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي))، المؤمن اطمأنت نفسه إلى وعد الله ، النفس المطمئنة بما قال الله والمصدقة بما قال، النفس المطمئنة هي المنيبة المخبتة التي أيقنت أن الله ربها، وضربت جأشاً لأمره وطاعته وأيقنت بلقائه..[ هذه أقوال ابن عباس وقتادة والحسن ومجاهد].
وحقيقة الطمأنينة السكون والاستقرار فسكنت إلى ربها نتيجة طاعته وذكره واتباع أمره ولم تسكن إلى سواه، فاطمأنت إلى محبته وعبوديته والإيمان بخبره ولقائه، واطمأنت إلى التصديق بحقائق أسمائه وصفاته، وللرضا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، واطمأنت إلى قضائه وقدر وإلى كفايته وحسبه وأن الله يدافع عنها ويكفيها الشرور وكيد الكائدين والحاسدين والأعداء، فاطمأنت بأنه وحده ربها وإلهها ومعبودها ومليكها ومالك أمرها كله وأن مرجعها إليه ولا غنى لها عنه طرفة عين..
وعلى الضد النفس الأمارة بالسوء ، تأمر صاحبها باتباع الشهوات من الغي والباطل فهي مأوى كل سوء، تقوده إلى القبيح والمكروه..
وقال أمّارة ولم يقل آمرة!!، أمّارة صيغة مبالغة ، وهو أبلغ، فهي كثيرة الأمر بالسوء إلا إذا رحمها الله فجعلها زاكية تأمر صاحبها بالخير فعند ذلك تكون شيئاً آخر..، والنفس أصلاً خُلِقت ظالمة جاهلة إلا من رحمها الله، والإنسان ظلوم كفار((أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً))، نعم أوجد عندهم الاستعداد الفطري لقبول الحق إذا عُرِض عليهم بغير مؤثرات خارجية مفسدة (( فطرة الله التي فطر الناس عليها))، لكن بدون تعلم ؛ النفس تبقى جاهلة فيها هوى ولو تركت بدون تربية وتروض تدعو إلى الطغيان وتميل إلى الشر ، والعدل والعلم طارئ عليها وليس أصل فيها..
الأصل في النفس ليس أنها صاحبة علم وعدل!!، الأصل في النفس الجهل والظلم! الإنسان ظلوم جهول! كما أخبر الله سبحانه وتعالى إلا من رفع الجهل بالعلم ورفع الظلم بالعدل، وألزم نفسه العلم والعدل فقام عليها بهما فعند ذلك تلهم رشدها وتتوقّى الظلم والجهل، ولولا فضل الله ورحمته على المؤمنين ما زكى منهم نفس واحدة..، فإذا أراد بها خيراً جعل لها اتجاهاً إلى العلم ومجاهدة في العدل..
وسبب الظلم في النفس الأمارة بالسوء إما الجهل وإما الحاجة، ولذلك كان أمرها بالسوء لصاحبها لازماً لها إلا إذا أدركته رحمة الله..، وبذلك يعلم أن العبد مضطر إلى الله دائماً محتاج إلى ربّه باستمرار(( إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي))، فإذاً الإنسان محتاج إلى الرب حتى يكفى شر نفسه،سائلاً إياه أن يعينه على شر نفسه، وضرورة العبد إلى ربه فوق كل ضرورة،وأكثر من ضرورته للطعام والشراب والنَّفَس..
أما النّفس اللوامة فقال بعضهم: من التلّوُّم وهو التلوّن والتردد،وقال بعضهم: من اللوم وهذا أرجح، لأنه لو كان من التلون والتردد لقال ((ولا أقسم بالنفس المتلومة)) المتلونة والمترددة، لكن الأرجح أن اللوامة من اللوم ، تلوم صاحبها على الخير وعلى الشر، حتى يوم القيامة يمكن أن تلومه نفسه ،إن كان محسناً لماذا لم يزدد إحساناً وهذه مراتب الجنة أمامه، وإن كان مسيئاً لماذا عمل السوء ، وهذه النار أمامه؟!فهي تلومه في الدنيا وتلومه في الآخرة!!، تلوم المسيء أن لا يكون رجع في إساءته وتلوم المحسن أن لم يزدد إحساناً، فإذاً النفس اللوامة في الخير والشر؛نفسٌ مخلّطة فيها خير وشر، فتلوم صاحبها على الخير، لماذا لم تزدد منها وتلومه على الشر لماذا وقع فيه.
إن المؤمن والله ما تراه إلا يلوم نفسه على كل حالاتها، يستقصرها في كل ما يفعل فيندم ويلوم نفسه، وإن الفاجر ليمضي قدماً لا يعاتب نفسه كما قال الحسن البصري رحمه الله .
فإذاً اللوم صفة لهذه النفس، فالنفس تارة تكون أمارة بالسوء وتارة لوامة وتارة مطمئنة!، إذاً ليس بشرط أن تكون النفس عند فلان من الناس دائماً مطمئنة أو دائماً أمارة بالسوء ، قد تكون ساعات هكذا وهكذا!!، بل في اليوم الواحد والساعة الواحدة يحصل فيها هذا وهذا والحكم للغالب عليها من أحوالها.
فكونها مطمئنة وصف مدح لها، وكونها أمارة بالسوء وصف ذمٍّ لها ، وكونها لوّامة ينقسم إلى مدح وذم بحسب ما تلوم عليه وهذه حال النفس..
كثيراً ما يكون الإنسان المسلم العادي يمر في حالات نفس مطمئنة كأن يكون في عبادة(صلاة التراويح-في الحرم-في عمرة- في عرفة)، وتارة أمارة بالسوء(إجازات- سياحة- سفريات – معاصي) ، وتارة لوامة تلوم صاحبها في الخير والشر.
ومحاسبة النفس من علاج مرض القلب لأن مرض القلب لا يمكن إزالته وعلاجه إلا بمحاسبة النفس ومخالفتها فعندنا مبدآن في التعامل مع النفس ، المحاسبة يتبعها المخالفة، وهلاك القلب من إهمال محاسبتها ومن موافقتها واتباع هواها، لذلك العاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني..!
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه قال كلاماً مشهوراً محذراً من الإهمال في محاسبة النفس وأنه يقود إلى الهلاك يوم القيامة : [ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم (أعمالكم) قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم]، وقال صلى الله عليه وسلم : ((من نوقش الحساب عُذِّب))، فكيف يتلافى المرء مناقشة الحساب غداً؟!!، بمحاسبة النفس اليوم.
والحساب اليسير صاحبه ناجٍ وسينقلب إلى أهلها مسروراً، أما حاسبناها حساباً شديداً وعذبناها عذاباً نكراً فهذا الحساب الشديد نتيجة عدم المحاسبة الآن..
وتزينوا للعرض الأكبر((يومئذٍِ تعرضون لا تخفى منكم خافية))، فقال الحسن رحمه الله : (( لا تلقى المؤمن إلا ويحاسب نفسه ، ماذا أردتِ تعملين؟ماذا أردتِ تشربين؟ماذا أردتِ تأكلين؟))، وقال قتادة في قوله (وكان أمره فرطاً): [ أضاع نفسه وغُبِن]، يحفظ ماله ويضيع دينه!
قال الحسن: [ إن العبد لايزال بخير ما كان له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة من همته].
ويوجد واعظ في قلب كل مسلم إذا أراد أن يدخل في باب حرام قال: ويلك لا تفتحه، إنك إن تفتحه تلجه!، لا تزح الستار عن باب الحرام، إنك لو نظرت انجذبت، ويلك لا تفتحه، إنك إن تفتحه تلجه!..
قال ميمون بن مهران: [ النفس كالشّريك الخوّان إن لم تحاسبه؛ ذهب بمالك!].
المحاسبة وقت الرخاء سهلة بالنسبة للمحاسبة في وقت الشدة، فرحم الله عبداً قال لنفسه ألستِ صاحبة كذا وكذا؟! هذا نوع من الحساب على المعاصي ، وحساب على النوايا كقولك ماذا أردتِ بالعمل والأكلة والشربة..
تعريف المحاسبة
في اللغة: مصدر من حاسب يحاسب مأخوذ من حسب حسبتُ الشيء أحسبه حسباناً وحساباً إذا عددته والحساب والمحاسبة عدُّك الشيء.
هذا إذاً العدّ هو معنى المحاسبة في اللغة، فكأنك إذا جئت تطبقه بالمعنى الاصطلاحي عدّ السيئات.. عدّ العيوب.. وهكذا..
عرّف الماوردي المحاسبة فقال: [ أن يتصفح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره فإن كان محموداً أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه وإن كان مذموماً استدركه إن أمكن وإن لم يمكن فيتبعها بالحسنات لتكفيرها وينتهي عن مثلها في المستقبل].
وعرّف بعضهم المحاسبة بأنها: [ قيام العقل على حراسة النفوس من الخيانة ليتفقد زيادتها ونقصانها، وأنه يسأل عن كل فعل يفعله لمَ فعلته ، فإن كان لله مضى فيه و إن كان لغير الله امتنع عنه وأنه يلوم نفسه على التقصير والخطأ وإذا أمكن المعاقبة أو صرفها إلى الحسنات الماحية].
ومحاسبة النفس نوعان كما يقول ابن القيم رحمه الله: نوع قبل العمل ونوع بعد العمل..
1- محاسبة النفس قبل العمل
أن يراعي الهمّ والخواطر والإرادات والعزائم التي في نفسه ، فالنفس لها إرادة وعزيمة وهم، تهم بالشيء، فمن أصدق الأسماء الحارث وهمّام ، لأن النفس تهمّ وتحرث، فلها همّ وعمل، فإذاً يبدأ بالمحاسبة على ما همّ به وما أراده وما خطر بباله، فالمحاسبة تبدأ من مرحلة الخواطر والإرادات والعزائم ، وهذه محاسبة قبل العمل، فيفكّر في إرادة العمل هذا هل هي في مصلحته ؟ فإن كان نعم أقدم عليه، وإن كان ليس في مصلحته تركه..
ولذلك يقول الحسن رحمه الله : [ رحم الله عبداً وقف عند همّه يحاسب فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر ولم يعمل].
هذا النوع من المحاسبة مهم جداً في إيقاع الأعمال على الإخلاص، بدون المحاسبة هذه تقع الأعمال بغير الإخلاص فيهلك الإنسان وهو يعمل (( عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية)) ، فما استفاد من العمل شيء مع أن ظاهره أعمال صالحة لكن لأنها ليست لله.
وكذلك ينظر ثانياً إذا تحركت نفسه لعمل من الأعمال وقف، هل هذا العمل مقدور عليه أو غير مقدور، فإن كان غير مقدور تركه حتى لا يضيع الوقت، وإن كان مقدوراً عليه وقف وقفة أخرى ونظر هل فعله خير من تركه أو تركه خير من فعله، فإن كان فعله خير من تركه عمله وإن كان تركه خيراً من فعله ..،وإذا كان فعله فيه مصلحة..هل سيفعله الآن والباعث عليه الله وإرادة وجهه أو الباعث عليه أمر آخر (جاه المخلوق وثنائهم ومالهم).
وهذه المحاسبة مهمة جداً في وقاية النفس من الشرك الخفي، الأول يقيها من الشرك الأكبر والأصغر ويقيها أيضاً من الشرك الخفي، ولئلا تعتاد النفس الشرك وتقع في مهاوي الرياء، لذلك فإن هناك أربع مقامات يحتاج إليها العبد في محاسبة نفسه قبل العمل:
1- هل هو مقدور له.
2- هل فعله خير من تركه.
3- هل هو يفعله لله.
4- ماهو العون له عليه.
والاستعانة طبعاً بالله (( إياك نعبد وإياك نستعين)).
2- محاسبة النفس بعد العمل:
وهو على ثلاثة أنواع:
أولاً: محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله، مثل تفويت خشوع في الصلاة وخرق الصيام ببعض المعاصي أو فسوق وجدال في الحج، كيف أوقع العبادة؟هل على الوجه الذي ينبغي؟هل وافق السنة؟هل نقص منها؟ وحق الله في الطاعة ستة أمور:
1- الإخلاص في العمل.
1- النصيحة لله فيه.
2- متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم .
3- أن يحسن فيه ويتقن فيه.
4- أن يشهد منّة الله عليه فيه أنه جاء توفيق من الله وتيسير للعمل الصالح وإعانة منه.
5- أن يشهد تقصيره بعد العمل الصالح، وأنك مهما عملت لله فأنت مقصر.
ثانياً: محاسبة على عمل كان تركه خير من فعله، وهذا يمكن أن يكون للمعاصي، أو اشتغال بمفضول ففاته الفاضل، مثل أن يشتغل بقيام الليل فتفوته صلاة الفجر، أو يشتغل بأذكار وغيرها أفضل منها، كما قال صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين: [ لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وُزِنَت بما قلتِ لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه،سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته].
ثالثاً: محاسبة على أمر معتاد مباح لمَ فعله؟ هل أراد به الله أم الدار الآخرة؟أم فاته الربح وعمله عادة؟، فتحاسب نفسك على الأمور المباحة والعادات، هل كان لك فيها نية صالحة أو ذهبت عليك؟
فالمحاسبة تولد عنده أرباح مهمة يحتاجها يوم الحساب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر: [ أن الذي ينفق نفقة على أهله يحتسبها تكون له صدقة]، وأراد لفت النظر إلى أن ما ينفقه الناس على أهلهم بالعادة إذا كان فيه نية حسنة فليس خارجاً عن الصدقة بل داخل فيها وأجرها، حتى يتشجع الناس للإنفاق على أهليهم ولا يبخلوا على أولادهم ، بل يحتسبون الأجر بدون إسراف ولا تقتير.
من أين نبدأ في محاسبة النفس؟
قال ابن القيم رحمه الله – مختصر كلامه- : أن يبدأ بالفرائض فإذا رأى فيها نقص تداركه ثم المناهي "المحرمات" فإذا عرف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية ثم يحاسب نفسه على الغفلة عما خُلِق له، فإن رأى أنه غفل عما خُلِق له فليتدارك ذلك بالذكر والإقبال على الله ويحاسب نفسه على كلمات الجوارح من كلام اللسان ومشي الرجلين وبطش اليدين ونظر العينين وسماع الأذنين ماذا أردتُ بهذا ولمن فعلته وعلى أي وجه فعلته؟ السُبُل العملية.. التفكير في المجالات أين يتجه الإنسان عند المحاسبة..
1- الفرائض ، ويجب أن نعرف أن جنس الواجبات في الشريعة أعلى من ترك المحرمات، كلاهما لابد من، لكن للفائدة فجنس فعل الواجب أعلى في الشريعة وأكثر أجراً من جنس ترك المحرم، لأن الواجبات هي المقصود الأصلي وهذه المحرمات ممنوعة، ولكن ماهو الأصل؟ أن تقوم بالواجبات، فأول ما يبدأ بالفرائض فإن رأى منها نقصاً تداركه ( الوضوء-الصلاة-الصيام بدون نية- كفارة اليمين)..، فاستدراك الخطأ في الواجبات نتيجة للمحاسبة، وهناك تقصير يمكن استدراكه وهناك آخر لا.
2- المحرمات والمناهي..، فهناك أمور تحتاج التوقف الفوري(كسب حرام – عمل حرام)، وأشياء تدارُكها(التخلص من الأموال الحرام بعد التوبة-أكل حقوق العباد فيعيد المال إلى أصحابه)، وبعضها يحتاج إلى التحلل منها وطلب السماح ، وهناك أشياء لا يمكن تداركها إلا بالتوبة والندم وعقد العزم على عدم العودة والإكثار من الحسنات الماحية لأن الله تعالى قال: (( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات)).
3- ثم يحاسب نفسه على الغفلة عما خُلِق له(الانغماس في الملاهي والألعاب مع أنها ليست حرام)، فيتدارك ذلك بأن يأتي بفترات طويلة تفوقها في الذكر والعبادة والأعمال الصالحة لتعويض الغفلة التي حدثت..
وهناك طريقة أخرى للمحاسبة وهي محاسبة الأعضاء، ماذا فعلت برجلي؟بيدي؟بسمعي؟ ببصري؟ بلساني؟، المحاسبة على الأعضاء تعطي نتيجة فيكون الاستدراك بإشغال الأعضاء في طاعة الله، ثم المحاسبة على النوايا (ماذا أردت بعملي هذا؟ومانيتي فيه؟.
والقلب من الأعضاء ولابد له من محاسبة خاصة لصعوبة المحاسبة في النوايا لأنها كثيراً ما تتقلب فسمّي القلب قلباً من تقلّبه..
وينبغي للعبد كما أن له في أول نهاره توصية لنفسه بالحق أن يكون له في آخر نهاره ساعة يطالب نفسه فيها ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها كما يفعل التجار في الدنيا مع الشركاء.
فالمحاسبة لما ضرب لها العلماء مثل محاسبة الشريك الشحيح لشريكه فهذا فيه تدقيق، وهي صفة مهمة للمحاسبة؛ أن الإنسان يدقق مع نفسه ويفتّش الأمور تفتيشاً بالغاً، فقد يتناسى أشياء وهي خطيرة، ومع النفس لا تصلح المسامحة [ رحم الله امرءاً سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى سمحاً إذا قضى سمحاً إذا اقتضى]، نعم يفوّت للناس ولكن مع نفسه لا يفوّت..! فينبغي أن يكون هناك تدقيق زائد للنفس.
ومعاقبة النفس على التقصير مهمة بإلزامها بالفرائض والواجبات والمستحبات بدلاً من المحرمات التي ارتكبتها،والعجب أن الإنسان يمكن أن يعاقب عبده وأمته وأهله وخادمته وسائقه والموظف عنده على سوء الخلق والتقصير ولكن لا يعاقب نفسه على ما صدر عن نفسه من سوء العمل.
ماهي العقوبات؟
اسم العقوبات فيها تسامح وتجوّز، العقوبات المقصود منها أنك تلزم نفسك بطاعات، ولنضرب لذلك أمثلة من السلف كيف كانوا يعاقبون أنفسهم:
- عاقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه نفسه حين فاتته صلاة العصر في جماعة بأن تصدّق بأرض قيمتها مائتي ألف درهم!!
- ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا فاتته صلاة في جماعة أحيا تلك الليلة كلها، وأخّر ليلة صلاة المغرب حتى طلع كوكبان فاعتق رقبتين مع أن وقت الصلاة لم يخرج..!!
- فاتت ابن أبي ربيعة ركعتا سنة الفجر فأعتق رقبة!!
والتقصير عند السلف من أصحاب النفوس العالية ليس ترك واجب أو فعل محرم ، لكن تقصير في واجب و مستحب، أي فوات طاعة مثلاً أو أذكار وأوراد، والمعاقبة أن يضاعف الأذكار والأوراد.
والنفس لا تستقيم إلا أن تُجَاهد وتُحَاسَب و تُعَاقَب..، ومما يعين على معاقبة النفس أو إرغام النفس على استدراك النقص؛ التأمُّل في أخبار المجتهدين.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (( من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين ، ومن قام بمائة آية كُتِب من القانتين، ومن قام بألف آية كُتِب من المقنطرين)).
ومن تأمل في حال السلف وماذا كانوا يفعلون مع ندرة النماذج هذه في هذا الزمان لعله يقود إلى معاقبة النفس بإلزامها بمزيد من العبادات والمستحبات إذا قصّرت..
قالت امرأة مسروق : ما كان يوجد مسروق إلا وساقاه منتفختان من طول الصلاة، والله إن كنت لأجلس خلفه فأبكي رحمة له.
قال أبو الدرداء: لولا ثلاث ما أحببت العيش يوماً واحداً ، الظمأ لله بالهواجر ، والسجود لله في جوف الليل، ومجالسة قوم ينتقون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر.
أم الربيع كانت تشفق على ولدها من كثرة بكائه وسهره في العبادة فنادته(يابني لعلك قتلت قتيلاً) قال(نعم يا أماه) قال(فمن هو حتى نطلب أهله فيعفو عنك، فوالله لو يعلمون ما أنت فيه لرحموك وعفوا عنك) قال( يا أماه..هي نفسي!!).
قال القاسم بن محمد : غدوت يوماً وكنت إذا غدوت بدأت بعائشة رضي الله عنها أسلم عليها، فغدوت يوماً إليها فإذا هي تصلّي الضحى وهي تقرأ ( فمن ّ الله علينا ووقانا عذاب السموم) وتبكي وتدعو وتردد الآية وقمت حتى مللت وهي كما هي فلما رأيت ذلك ذهبت إلى السوق فلما فرغت من حاجتي رجعت إليها فوجدتها كما هي ففرغت ورجعت وهي تردد الآية وتبكي وتدعو!
هذه القلوب، سريعة الذنوب، لابد من قرعها ومطالعة مافيها، ومن قواعد المحاسبة توبيخ النفس، لأنها مادامت أمارة بالسوء فتحتاج إلى شدة وتوبيخ والله أمر بتزكيتها وتقويمها ، فهي تحتاج إلى سلاسل ولا تنقاد إلا بسلاسل القهر إلى العبادة ولا تمتنع عن الشهوات إلا بهذه السلاسل ولا تنفطم عن اللذات إلا بهذا الحزم معها، فإن أهملت نفسك جمحت وشردت وإن لازمتها بالتوبيخ والمعاتبة والملامة كانت هي النفس اللوامة ويُرجى أن ترتقي بعد ذلك إلى النفس المطمئنة.
كيف يحاسب الإنسان نفسه ؟بماذا يذكر نفسه؟ بنقصها..بخستها ودناءتها وما تدعو إليه من الحرام وترك الواجب والتفريط في حق الله..
فوائد المحاسبة ومصالحها
أن المرء يطّلع على عيوب نفسه ويكتشف أشياء تدهشك ولا يفقه الرجل حتى يمقت نفسه ويحتقرها في جنب الله، وكان بعض السلف يقول في دعائه في عرفة ( اللهم لا ترد الناس لأجلي)! ، وكان محمد بن واسع يقول: (لو كان للذنوب ريح ماقدر أحد أن يجلس إليّ)!، مع أنه من كبار العباد في هذه الأمة، وقال يونس بن عُبيد: ( إني لأجد مائة خصلة من خصال الخير ما أعلم أن في نفسي منها واحدة)!
وهذا حمّاد بن سلمة دخل على سفيان الثوري وهو يحتضر فقال: ( يا أبا عبد الله أليس قد أمنت مما كنت تخافه وتقدم على من ترجوه وهو أرحم الراحمين؟!) قال: (يا أباسلمة أتطمع لمثلي أن ينجو من النار) قال: (إي والله إني لأرجو لك ذلك).
وقال جعفر بن زيد: ( خرجنا في غزاة إلى كابل وفي الجيش صلة بن أشيم فنزل الناس عند العتمة فصلوا ثم اضطجع فقلت: لأرمقنّ عمله، فالتمس غفلة الناس فانسلّ وثبا فدخل غيظة (مجموعة أشجار ملتفة) قريب منا، فدخلت على أثره فتوضأ ثم قام يصلي فجاء أسد حتى دنا منه فصعدت في شجرة فتراه التفت إليه أو عدّه جرو! فلما سجد قلت الآن يفترسه فجلس ثم سلّم ثم قال: ( أيها السبع اطلب الرزق من مكان آخر)، فولّى وإن له زئيراً، فمازال كذلك يصلي حتى كان الصبح فجلس يحمد الله وقال: (اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار ومثلي يستحي أن يسألك الجنة)! ثم رجع وأصبح وكأنه بات على حشاياً ، أما أنا فأصبح بي ما الله به عليم من هول ما رأيت!
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (اللهم اغفر لي ظلمي وكفري)، فقال قائل: ( يا أمير المؤمنين هذا الظلم فما الكفر؟) قال: (إن الإنسان لظلوم كفّار)، فإذا تمعّن الإنسان حال السلف عرف حاله والبعد الشديد مابينه وبينهم.
إذاً ففي المحاسبة:
1- مقارنة حال بحال فينكشف التقصير العظيم.
2- ومن التفكر في العيوب أن الإنسان ينظر في عمله ما دخل عليه فيه من العُجب والغرور فيرى نفس كاد أن يهلك ومهما عمل فهو مقصِّر.
3- أن يخاف الله عزوجل.
4- ومما يعين على المحاسبة استشعار رقابة الله على العبد وإطلاعه على خفاياه وأنه لا تخفى عليه خافية (( ونعلم ماتوسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)). وقال تعالى: (( اعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه)).
5- من الأشياء المهمة في المحاسبة التفكر في الأسئلة يوم القيامة وأن تعلم أنك مسئول يوم القيامة ، ليس سؤال المذنبين فقط، فالله تعالى قال: ((ليسأل الصادقين عن صدقهم))، وإذا كان الصادقين سيسألهم الله عن صدقهم فما بالك بغيرهم؟! (( فلنسألنّ الذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين)) وحتى الرسل يُسألون..!!!
المحاسبة قضية مهمة للغاية ، تدور عليها السعادة ولا يحصل الصلاح إلا بها..
محاسبة النفس أمر عظيم جداً، المحاسبة لا تصلح النفس إلا بها، المحاسبة من قام بها اليوم أمِن غداً ،المحاسبة أن تنظر في نفسك وتتأمل فيها وتعرف عيوبها، المحاسبة لا نجاة إلا بها (( يوم يبعهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد)).
المحاسبة تصدر من التأمل في هذه النصوص:
((يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرّاً يره)).
المحاسبة انطلاقاً من آثار قوله تعالى: ((يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد))..
المحاسبة تنطلق من الإيمان باليوم الآخر وأن الله يحاسب فيه الخلائق وقد حذرنا الله ذلك اليوم فقال: (( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)).
المحاسبة تنطلق من الإيمان بأسماء الله وصفاته وأنه تعالى الرقيب المهيمن المطّلع على ما تعمل كل نفس وأنه شهيد على أعمالنا فهو الشهيد على أعمال عباده، جعل علينا كراماً كاتبين يحصون أعمالنا(( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مالهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ماعملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً)).
المحاسبة تنطلق من إيمان الإنسان بالهدف، بالغرض، أن يعلم أنه لأي شيء خُلِق ((أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون)) ((أيحسب الإنسان أن يترك سدى)).
محاسبة النفس طريقة المؤمنين وسمة الموحدين وعنوان الخاشعين ، فالمؤمن متق لربه محاسب لنفسه مستغفر لذنبه ، يعلم أن النفس خطرها عظيم، وداؤها وخيم ، ومكرها كبير وشرها مستطير، فهي أمارة بالسوء ميالة إلى الهوى،داعية إلى الجهل، قائدة إلى الهلاك،توّاقة إلى اللهو إلا من رحم الله، فلا تُترك لهواها لأنها داعية إلى الطغيان ، من أطاعها قادته إلى القبائح ، ودعته إلى الرذائل،وخاضت به المكاره،تطلعاتها غريبة،وغوائلها عجيبة،ونزعاتها مخيفة، وشرورها كثيرة، فمن ترك سلطان النفس حتى طغى فإن له يوم القيامة مأوىً من جحيم ((أما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى))،وعلى النقيض(( وأما من خاف مقام ربه ونهة النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)).
الدليل على المحاسبة من القرآن الكريم
الآية التي أمرنا الله فيها بالمحاسبة هي قوله تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم)) تنظر أي تفكر وتتفكر.
يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي – رحمه الله - : يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بما يوجبه الإيمان ويقتضيه من لزوم تقواه سراً وعلانية في جميع الأحوال وأن يراعوا ما أمرهم الله به من أوامره وحدوده وينظروا مالهم وما عليهم وماذا حصلوا عليه من الأعمال التي تنفعهم أو تضرهم يوم القيامة فإنهم إذا جعلوا الآخرة نصب أعينهم وقبلة قلوبهم واهتموا للمقام بها اجتهدوا في كثرة الأعمال الموصلة إليها وتصفيتها من القواطع والعوائق التي توقف عن السير أو تعوقهم أو تصرفهم، وإذا علموا أن الله خبير بما يعملون لا تخفى عليه أعمالهم ولا تضيع لديه ولا يهملها أوجب لهم الجد والاجتهاد.
وقال الشيخ عن هذه الآية: وهذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه وأنه ينبغي له أن يتفقدها فإن رأى زللاً تداركه بالإقلاع عنه والتوبة النصوح والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه وإن رأى نفسه مقصراً في أمر من أوامر الله بذل جهده واستعان بربه في تتميمه وتكميله وإتقانه ويقايس بين منن الله عليه وبين تقصيره هو في حق الله فإن ذلك يوجب الحياء لا محالة، والحرمان كل الحرمان أن يغفل العبد عن هذا الأمر ويشابه قوماً نسوا الله وغفلوا عن ذكره والقيام بحقه وأقبلوا على حظوظ أنفسهم وشهواتها فلم ينجحوا ولم يحصلوا على طائل بل أنساهم الله مصالح أنفسهم وأغفلهم عن منافعها وفوائدها فصار أمرهم فرطاً فرجعوا بخسارة الدارين وغبنوا غبناً لا يمكن تداركه ولا يجبر كسره لأنهم هم الفاسقون.
وقد قال تعالى في كتابه العزيز : (( وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون))، فإذاً ينبغي على العبد أن ينظر في حاله ويحاسبها ويتوب من التقصير فالمحاسبة تقود إلى التوبة (( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)).
ولا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه(( والشريكان يتحاسبان عند نهاية العمل))، ورُوي عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال لها عند الموت :[ماأحد من الناس أحب إليّ من عمر]، ثم قال : كيف قلت؟ فأعادت عليه كلامه، فقال: [لا أحد أعزّ عليّ من عمر]. فانظر كيف نظر بعد الفراغ من الكلمة فتدبرها وأبدلها بكلمة أخرى لأنه رآها أنسب وأحسن وأدق وأصدق..
قال الحسن البصري رحمه الله: [ المؤمن قوّام على نفسه يحاسبها لله وإنما خفّ الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شقّ الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة] ثم قال: [ المؤمن يفجأه الشيء يعجبه فيقول والله إنك تعجبني وإنك من حاجتي ولكن هيهات !حيلي بيني وبينك!]، هذا نموذج من الحساب لشيء يعرض للإنسان مزيّن ويعجبه وتميل إليه نفسه ولكنه يتركه لأنه ليس من مصلحته في الآخرة ، [ ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول ماذا أردتِ بهذا؟!!]، يفرط أي يسبق ويحصل ويقع.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً وقد خرج وخرجت معه حتى دخل حائطاً فسمعته يقول بيني وبينه جدار[ يا أمير المؤمنين!بخٍ!بخٍ!والله لتتقين الله أو ليعذبنّك!]، فهو يذكر نفسه بأن هذا اللقب أمير المؤمنين لا يغني عنه من الله شيئاً..
قال الحسن البصري رحمه الله في قوله تعالى: ((ولا أقسم بالنفس اللوامة)): [ لا يلقى المؤمن إلا وهو يعاتب نفسه، ماذا أردت بكلمتي؟ماذا أردت بأكلتي؟ماذا أردت بشربتي؟والفاجر يمضي قدماً لا يعاتب نفسه].
وقال مالك بن دينار رحمه الله : رحم الله عبداً قال لنفسه ألستِ صاحبة كذا ؟ ألست صاحبة كذا؟ألست صاحبة كذا؟ ثم ذمّها ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله تعالى فكان لها قائداً. وهذا من حساب النفس.
وقال ميمون بن مهران: [ التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان غاشم ومن شريك شحيح].
وقال إبراهيم التميمي: [مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق أبكارها ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها فقلت لنفسي : يا نفس أي شيء تريدين؟قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاً، قال:فأنتِ في الأمنية فاعملي إذاً لتكوني في الجنة في ذلك النعيم].
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: [إن سائر أمراض القلب إنما تنشأ من جانب النفس فالمواد الفاسدة كلها إليها تنصبّ ثم تنبعث منها إلى الأعضاء وأول ما تنال القلب].
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبة الحاجة: (( الحمد لله نستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا))[رواه الترمذي].
وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من شرها عموماً ومن شر ما يتولد منها من الأعمال ومن شر ما يترتب على ذلك من المكاره والعقوبات وجمع الاستعاذة من سيئات النفس وسيئات الأعمال فهذا معناه أن هناك أمرين:
1- أعوذ بك من هذا النوع من الأعمال.
2- المراد به عقوبات الأعمال التي تسوء صاحبها.
فاستعاذ من صفة النفس وعملها أو استعاذ من العقوبات وأسبابها ويدخل العمل السيء في شر النفس لأن النفس الشريرة تولد سيء العمل فاستعاذ منهما جميعاً..
وهذا العمل الذي يسوء صاحبه يوم القيامة وهذه النفس الشريرة التي تأمر بسيء العمل؛لابد من محاسبتها وقد اتفق السالكون إلى الله على اختلاف طرقهم وتباين سلوكهم على أن النفس قاطعة بين القلب وبين الوصول إلى الرب وأن لا يُدخل على الله سبحانه ولا يوصل إليه إلا بعد الظفر بالنفس وكفها عن الشر فإن الناس قسمين:
1- قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته وصار طوعاً لنفسه الشريرة الأمّارة بالسوء تحت أوامرها ويعمل على هواها.
2- قسم ظفروا بأنفسهم فقهروها فصارت طوعاً لهم منقادة لأمرهم.
قال بعض أهل الإيمان والحكمة: (( انتهى سفر الطالبين إلى الظفر بأنفسهم فمن ظفر بنفسه؛ أفلح وأنجح، ومن ظفرت به نفسه خسِر وهلك)).
(( فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)).
ومن لم يحاسب نفسه فاته من الخير بقدر ما فاته من المحاسبة ولذلك على المسلم أن يصون نفسه عن المحرمات ويبتعد عن الشبهات ولا سيما أهل العلم فمن لم يصن نفسه بهذا لم ينفعه علمه لأن العلم للعمل كالسلاح للمجاهد فإذا لم يستعمله ماذا يفيده؟!، وكالأطعمة المدخرة للجائع إذا لم يأكل منها فبماذا تنفعه؟!
يحاول نيل المجد والسيف مغمدٌ
ويأمل إدراك العُلا وهو نائم!
إذاً بدون محاسبة لا يمكن الوصول والذي لا يصون نفسه عن ما يخرم المروءة وعن ما يُكره بعد ما يصونها عن الحرام فهذا إنسان هالك ، فصيانة النفس أصل الفضائل لأن من أهمل نفسه إتكالاً على العلم الذي عنده ( وهذه آفة ينزلق إليها بعض طلبة العلم) ربما لا يحاسبون أنفسهم إتكالاً إلى العلم الذي عندهم فربما يكون هنا الجاهل أو العامي أفضل من هذه الجهة لأنهم يحسون أن أنفسهم قاصرة فيحاسبون ويفتشون ، أما بعض الناس الذي يطغيهم العلم فلا يحاسبون أنفسهم ويتكلون على العلم الذي معهم لأنه يرون به رفعة درجة فلماذا يحاسبون فيتركون الحساب والمحاسبة فتظهر القبائح والعورات فيكون الحسد منهم واتباع الهوى والتنازلات في الفتاوى والأخطاء.
فلذلك محاسبة العلماء لأنفسهم وطلبة العلم ينبغي أن تكون أشد ما تكون لأنه إن حاسب نفسه انتفع ونفع الناس وإذا ترك محاسبة نفسه ضلّ وأضلّ، الجاهل لا يقتدي به أحد، لكن هذا الذي ينصب نفسه قدوة في الدعوة والعلم ثم لا يحاسب نفسه يُهلك..!
أيها العالم إياك الــــزلل
واحذر الهفوة والخطب الجلل!
هفوة العالم مستعظــــمة
إذ بها أصبح في الخلق مثل!
وعلى زلّته عمدتهـــــــم
فبها يحتج بها من أخطأ وزلّ
لا تقل يستر عليّ العلم زلّتي
بل بها يحصل في العلم خلل
إن تكن عندك مستحقــــرة
فهي عند الله والناس جبل
ليس من يتبعه العلــــم في
كل ما دقّ من الأمر وجلّ
مثل من يدفع عنــــه جهله
إن أتى فاحشة قيل قد جهل
انظر الأنجم مهما ســـقطت
من رآها وهي تهوي لم يُبل
فإذا الشمس بدت كاســـــفة
وَجِل الخلق لها كل الوجل
وتراءت نحوها أبصـــــارهم
في انزعاجٍ واضطرابٍ ووجل
وسرى النقص لهم من نقصها
فغدت مظلمة منها السُبُل
وكذا العالِم في زلّتــــــــــه
يفتن العالم طُرّاً و يُضِلّ!
فنحن نرى الآن نماذج كثيرة من إضلال بعض هؤلاء في الفتاوى المتساهلة لأنهم لا يحاسبون أنفسهم وبالتالي يقعون في المزالق وما استقطبهم أهل الشر إليه من الأفخاخ التي نصبوها لهم فقعوا فيها وجاملوا على حساب الدين..
فينبغي على كل الناس أن يحاسبوا أنفسهم الذين عندهم علم والذين ليس لديهم علم، فالذي لديه علم يحاسب نفسه هل عمل به؟وهل هو يقوم به لله؟ وهل يبلغه؟أم يكتمه؟ وهل هو مقصّر فيه؟ وهل عبد ربه به؟وهل بذله للناس صحيحاً أم راعة أهواء بعض القوم فسهّل لهم أشياء بزعمه؟، أما صاحب الجهل فيحاسب نفسه، كيف يعبد الله على جهل؟متى يزيل الجهل؟كيف يزيله؟إلى متى يبقى؟كيف يتعلم؟ وبماذا يبدأ.... وهكذا..
والنفس تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا، والرب يدعو العبد إلى خوفه ونهي النفس عن الهوى والقلب بين الداعيين، يميل إلى هذا الداعي مرة وإلى هذا مرة وهذا موضع الابتلاء والمحنة..
وقد وصف الله النفس في القرآن الكريم بثلاثة أوصاف: المطمئنة واللوامة والأمّارة بالسوء..
فالنفس إذا سكنت إلى الله واطمأنت بذكره وأنابت إليه واشتاقت إلى لقائه وأنست بقربه فهي نفس مطمئنة، وهي التي يقال له عند الوفاة (( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي))، المؤمن اطمأنت نفسه إلى وعد الله ، النفس المطمئنة بما قال الله والمصدقة بما قال، النفس المطمئنة هي المنيبة المخبتة التي أيقنت أن الله ربها، وضربت جأشاً لأمره وطاعته وأيقنت بلقائه..[ هذه أقوال ابن عباس وقتادة والحسن ومجاهد].
وحقيقة الطمأنينة السكون والاستقرار فسكنت إلى ربها نتيجة طاعته وذكره واتباع أمره ولم تسكن إلى سواه، فاطمأنت إلى محبته وعبوديته والإيمان بخبره ولقائه، واطمأنت إلى التصديق بحقائق أسمائه وصفاته، وللرضا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، واطمأنت إلى قضائه وقدر وإلى كفايته وحسبه وأن الله يدافع عنها ويكفيها الشرور وكيد الكائدين والحاسدين والأعداء، فاطمأنت بأنه وحده ربها وإلهها ومعبودها ومليكها ومالك أمرها كله وأن مرجعها إليه ولا غنى لها عنه طرفة عين..
وعلى الضد النفس الأمارة بالسوء ، تأمر صاحبها باتباع الشهوات من الغي والباطل فهي مأوى كل سوء، تقوده إلى القبيح والمكروه..
وقال أمّارة ولم يقل آمرة!!، أمّارة صيغة مبالغة ، وهو أبلغ، فهي كثيرة الأمر بالسوء إلا إذا رحمها الله فجعلها زاكية تأمر صاحبها بالخير فعند ذلك تكون شيئاً آخر..، والنفس أصلاً خُلِقت ظالمة جاهلة إلا من رحمها الله، والإنسان ظلوم كفار((أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً))، نعم أوجد عندهم الاستعداد الفطري لقبول الحق إذا عُرِض عليهم بغير مؤثرات خارجية مفسدة (( فطرة الله التي فطر الناس عليها))، لكن بدون تعلم ؛ النفس تبقى جاهلة فيها هوى ولو تركت بدون تربية وتروض تدعو إلى الطغيان وتميل إلى الشر ، والعدل والعلم طارئ عليها وليس أصل فيها..
الأصل في النفس ليس أنها صاحبة علم وعدل!!، الأصل في النفس الجهل والظلم! الإنسان ظلوم جهول! كما أخبر الله سبحانه وتعالى إلا من رفع الجهل بالعلم ورفع الظلم بالعدل، وألزم نفسه العلم والعدل فقام عليها بهما فعند ذلك تلهم رشدها وتتوقّى الظلم والجهل، ولولا فضل الله ورحمته على المؤمنين ما زكى منهم نفس واحدة..، فإذا أراد بها خيراً جعل لها اتجاهاً إلى العلم ومجاهدة في العدل..
وسبب الظلم في النفس الأمارة بالسوء إما الجهل وإما الحاجة، ولذلك كان أمرها بالسوء لصاحبها لازماً لها إلا إذا أدركته رحمة الله..، وبذلك يعلم أن العبد مضطر إلى الله دائماً محتاج إلى ربّه باستمرار(( إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي))، فإذاً الإنسان محتاج إلى الرب حتى يكفى شر نفسه،سائلاً إياه أن يعينه على شر نفسه، وضرورة العبد إلى ربه فوق كل ضرورة،وأكثر من ضرورته للطعام والشراب والنَّفَس..
أما النّفس اللوامة فقال بعضهم: من التلّوُّم وهو التلوّن والتردد،وقال بعضهم: من اللوم وهذا أرجح، لأنه لو كان من التلون والتردد لقال ((ولا أقسم بالنفس المتلومة)) المتلونة والمترددة، لكن الأرجح أن اللوامة من اللوم ، تلوم صاحبها على الخير وعلى الشر، حتى يوم القيامة يمكن أن تلومه نفسه ،إن كان محسناً لماذا لم يزدد إحساناً وهذه مراتب الجنة أمامه، وإن كان مسيئاً لماذا عمل السوء ، وهذه النار أمامه؟!فهي تلومه في الدنيا وتلومه في الآخرة!!، تلوم المسيء أن لا يكون رجع في إساءته وتلوم المحسن أن لم يزدد إحساناً، فإذاً النفس اللوامة في الخير والشر؛نفسٌ مخلّطة فيها خير وشر، فتلوم صاحبها على الخير، لماذا لم تزدد منها وتلومه على الشر لماذا وقع فيه.
إن المؤمن والله ما تراه إلا يلوم نفسه على كل حالاتها، يستقصرها في كل ما يفعل فيندم ويلوم نفسه، وإن الفاجر ليمضي قدماً لا يعاتب نفسه كما قال الحسن البصري رحمه الله .
فإذاً اللوم صفة لهذه النفس، فالنفس تارة تكون أمارة بالسوء وتارة لوامة وتارة مطمئنة!، إذاً ليس بشرط أن تكون النفس عند فلان من الناس دائماً مطمئنة أو دائماً أمارة بالسوء ، قد تكون ساعات هكذا وهكذا!!، بل في اليوم الواحد والساعة الواحدة يحصل فيها هذا وهذا والحكم للغالب عليها من أحوالها.
فكونها مطمئنة وصف مدح لها، وكونها أمارة بالسوء وصف ذمٍّ لها ، وكونها لوّامة ينقسم إلى مدح وذم بحسب ما تلوم عليه وهذه حال النفس..
كثيراً ما يكون الإنسان المسلم العادي يمر في حالات نفس مطمئنة كأن يكون في عبادة(صلاة التراويح-في الحرم-في عمرة- في عرفة)، وتارة أمارة بالسوء(إجازات- سياحة- سفريات – معاصي) ، وتارة لوامة تلوم صاحبها في الخير والشر.
ومحاسبة النفس من علاج مرض القلب لأن مرض القلب لا يمكن إزالته وعلاجه إلا بمحاسبة النفس ومخالفتها فعندنا مبدآن في التعامل مع النفس ، المحاسبة يتبعها المخالفة، وهلاك القلب من إهمال محاسبتها ومن موافقتها واتباع هواها، لذلك العاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني..!
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه قال كلاماً مشهوراً محذراً من الإهمال في محاسبة النفس وأنه يقود إلى الهلاك يوم القيامة : [ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم (أعمالكم) قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم]، وقال صلى الله عليه وسلم : ((من نوقش الحساب عُذِّب))، فكيف يتلافى المرء مناقشة الحساب غداً؟!!، بمحاسبة النفس اليوم.
والحساب اليسير صاحبه ناجٍ وسينقلب إلى أهلها مسروراً، أما حاسبناها حساباً شديداً وعذبناها عذاباً نكراً فهذا الحساب الشديد نتيجة عدم المحاسبة الآن..
وتزينوا للعرض الأكبر((يومئذٍِ تعرضون لا تخفى منكم خافية))، فقال الحسن رحمه الله : (( لا تلقى المؤمن إلا ويحاسب نفسه ، ماذا أردتِ تعملين؟ماذا أردتِ تشربين؟ماذا أردتِ تأكلين؟))، وقال قتادة في قوله (وكان أمره فرطاً): [ أضاع نفسه وغُبِن]، يحفظ ماله ويضيع دينه!
قال الحسن: [ إن العبد لايزال بخير ما كان له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة من همته].
ويوجد واعظ في قلب كل مسلم إذا أراد أن يدخل في باب حرام قال: ويلك لا تفتحه، إنك إن تفتحه تلجه!، لا تزح الستار عن باب الحرام، إنك لو نظرت انجذبت، ويلك لا تفتحه، إنك إن تفتحه تلجه!..
قال ميمون بن مهران: [ النفس كالشّريك الخوّان إن لم تحاسبه؛ ذهب بمالك!].
المحاسبة وقت الرخاء سهلة بالنسبة للمحاسبة في وقت الشدة، فرحم الله عبداً قال لنفسه ألستِ صاحبة كذا وكذا؟! هذا نوع من الحساب على المعاصي ، وحساب على النوايا كقولك ماذا أردتِ بالعمل والأكلة والشربة..
تعريف المحاسبة
في اللغة: مصدر من حاسب يحاسب مأخوذ من حسب حسبتُ الشيء أحسبه حسباناً وحساباً إذا عددته والحساب والمحاسبة عدُّك الشيء.
هذا إذاً العدّ هو معنى المحاسبة في اللغة، فكأنك إذا جئت تطبقه بالمعنى الاصطلاحي عدّ السيئات.. عدّ العيوب.. وهكذا..
عرّف الماوردي المحاسبة فقال: [ أن يتصفح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره فإن كان محموداً أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه وإن كان مذموماً استدركه إن أمكن وإن لم يمكن فيتبعها بالحسنات لتكفيرها وينتهي عن مثلها في المستقبل].
وعرّف بعضهم المحاسبة بأنها: [ قيام العقل على حراسة النفوس من الخيانة ليتفقد زيادتها ونقصانها، وأنه يسأل عن كل فعل يفعله لمَ فعلته ، فإن كان لله مضى فيه و إن كان لغير الله امتنع عنه وأنه يلوم نفسه على التقصير والخطأ وإذا أمكن المعاقبة أو صرفها إلى الحسنات الماحية].
ومحاسبة النفس نوعان كما يقول ابن القيم رحمه الله: نوع قبل العمل ونوع بعد العمل..
1- محاسبة النفس قبل العمل
أن يراعي الهمّ والخواطر والإرادات والعزائم التي في نفسه ، فالنفس لها إرادة وعزيمة وهم، تهم بالشيء، فمن أصدق الأسماء الحارث وهمّام ، لأن النفس تهمّ وتحرث، فلها همّ وعمل، فإذاً يبدأ بالمحاسبة على ما همّ به وما أراده وما خطر بباله، فالمحاسبة تبدأ من مرحلة الخواطر والإرادات والعزائم ، وهذه محاسبة قبل العمل، فيفكّر في إرادة العمل هذا هل هي في مصلحته ؟ فإن كان نعم أقدم عليه، وإن كان ليس في مصلحته تركه..
ولذلك يقول الحسن رحمه الله : [ رحم الله عبداً وقف عند همّه يحاسب فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر ولم يعمل].
هذا النوع من المحاسبة مهم جداً في إيقاع الأعمال على الإخلاص، بدون المحاسبة هذه تقع الأعمال بغير الإخلاص فيهلك الإنسان وهو يعمل (( عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية)) ، فما استفاد من العمل شيء مع أن ظاهره أعمال صالحة لكن لأنها ليست لله.
وكذلك ينظر ثانياً إذا تحركت نفسه لعمل من الأعمال وقف، هل هذا العمل مقدور عليه أو غير مقدور، فإن كان غير مقدور تركه حتى لا يضيع الوقت، وإن كان مقدوراً عليه وقف وقفة أخرى ونظر هل فعله خير من تركه أو تركه خير من فعله، فإن كان فعله خير من تركه عمله وإن كان تركه خيراً من فعله ..،وإذا كان فعله فيه مصلحة..هل سيفعله الآن والباعث عليه الله وإرادة وجهه أو الباعث عليه أمر آخر (جاه المخلوق وثنائهم ومالهم).
وهذه المحاسبة مهمة جداً في وقاية النفس من الشرك الخفي، الأول يقيها من الشرك الأكبر والأصغر ويقيها أيضاً من الشرك الخفي، ولئلا تعتاد النفس الشرك وتقع في مهاوي الرياء، لذلك فإن هناك أربع مقامات يحتاج إليها العبد في محاسبة نفسه قبل العمل:
1- هل هو مقدور له.
2- هل فعله خير من تركه.
3- هل هو يفعله لله.
4- ماهو العون له عليه.
والاستعانة طبعاً بالله (( إياك نعبد وإياك نستعين)).
2- محاسبة النفس بعد العمل:
وهو على ثلاثة أنواع:
أولاً: محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله، مثل تفويت خشوع في الصلاة وخرق الصيام ببعض المعاصي أو فسوق وجدال في الحج، كيف أوقع العبادة؟هل على الوجه الذي ينبغي؟هل وافق السنة؟هل نقص منها؟ وحق الله في الطاعة ستة أمور:
1- الإخلاص في العمل.
1- النصيحة لله فيه.
2- متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم .
3- أن يحسن فيه ويتقن فيه.
4- أن يشهد منّة الله عليه فيه أنه جاء توفيق من الله وتيسير للعمل الصالح وإعانة منه.
5- أن يشهد تقصيره بعد العمل الصالح، وأنك مهما عملت لله فأنت مقصر.
ثانياً: محاسبة على عمل كان تركه خير من فعله، وهذا يمكن أن يكون للمعاصي، أو اشتغال بمفضول ففاته الفاضل، مثل أن يشتغل بقيام الليل فتفوته صلاة الفجر، أو يشتغل بأذكار وغيرها أفضل منها، كما قال صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين: [ لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وُزِنَت بما قلتِ لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه،سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته].
ثالثاً: محاسبة على أمر معتاد مباح لمَ فعله؟ هل أراد به الله أم الدار الآخرة؟أم فاته الربح وعمله عادة؟، فتحاسب نفسك على الأمور المباحة والعادات، هل كان لك فيها نية صالحة أو ذهبت عليك؟
فالمحاسبة تولد عنده أرباح مهمة يحتاجها يوم الحساب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر: [ أن الذي ينفق نفقة على أهله يحتسبها تكون له صدقة]، وأراد لفت النظر إلى أن ما ينفقه الناس على أهلهم بالعادة إذا كان فيه نية حسنة فليس خارجاً عن الصدقة بل داخل فيها وأجرها، حتى يتشجع الناس للإنفاق على أهليهم ولا يبخلوا على أولادهم ، بل يحتسبون الأجر بدون إسراف ولا تقتير.
من أين نبدأ في محاسبة النفس؟
قال ابن القيم رحمه الله – مختصر كلامه- : أن يبدأ بالفرائض فإذا رأى فيها نقص تداركه ثم المناهي "المحرمات" فإذا عرف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية ثم يحاسب نفسه على الغفلة عما خُلِق له، فإن رأى أنه غفل عما خُلِق له فليتدارك ذلك بالذكر والإقبال على الله ويحاسب نفسه على كلمات الجوارح من كلام اللسان ومشي الرجلين وبطش اليدين ونظر العينين وسماع الأذنين ماذا أردتُ بهذا ولمن فعلته وعلى أي وجه فعلته؟ السُبُل العملية.. التفكير في المجالات أين يتجه الإنسان عند المحاسبة..
1- الفرائض ، ويجب أن نعرف أن جنس الواجبات في الشريعة أعلى من ترك المحرمات، كلاهما لابد من، لكن للفائدة فجنس فعل الواجب أعلى في الشريعة وأكثر أجراً من جنس ترك المحرم، لأن الواجبات هي المقصود الأصلي وهذه المحرمات ممنوعة، ولكن ماهو الأصل؟ أن تقوم بالواجبات، فأول ما يبدأ بالفرائض فإن رأى منها نقصاً تداركه ( الوضوء-الصلاة-الصيام بدون نية- كفارة اليمين)..، فاستدراك الخطأ في الواجبات نتيجة للمحاسبة، وهناك تقصير يمكن استدراكه وهناك آخر لا.
2- المحرمات والمناهي..، فهناك أمور تحتاج التوقف الفوري(كسب حرام – عمل حرام)، وأشياء تدارُكها(التخلص من الأموال الحرام بعد التوبة-أكل حقوق العباد فيعيد المال إلى أصحابه)، وبعضها يحتاج إلى التحلل منها وطلب السماح ، وهناك أشياء لا يمكن تداركها إلا بالتوبة والندم وعقد العزم على عدم العودة والإكثار من الحسنات الماحية لأن الله تعالى قال: (( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات)).
3- ثم يحاسب نفسه على الغفلة عما خُلِق له(الانغماس في الملاهي والألعاب مع أنها ليست حرام)، فيتدارك ذلك بأن يأتي بفترات طويلة تفوقها في الذكر والعبادة والأعمال الصالحة لتعويض الغفلة التي حدثت..
وهناك طريقة أخرى للمحاسبة وهي محاسبة الأعضاء، ماذا فعلت برجلي؟بيدي؟بسمعي؟ ببصري؟ بلساني؟، المحاسبة على الأعضاء تعطي نتيجة فيكون الاستدراك بإشغال الأعضاء في طاعة الله، ثم المحاسبة على النوايا (ماذا أردت بعملي هذا؟ومانيتي فيه؟.
والقلب من الأعضاء ولابد له من محاسبة خاصة لصعوبة المحاسبة في النوايا لأنها كثيراً ما تتقلب فسمّي القلب قلباً من تقلّبه..
وينبغي للعبد كما أن له في أول نهاره توصية لنفسه بالحق أن يكون له في آخر نهاره ساعة يطالب نفسه فيها ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها كما يفعل التجار في الدنيا مع الشركاء.
فالمحاسبة لما ضرب لها العلماء مثل محاسبة الشريك الشحيح لشريكه فهذا فيه تدقيق، وهي صفة مهمة للمحاسبة؛ أن الإنسان يدقق مع نفسه ويفتّش الأمور تفتيشاً بالغاً، فقد يتناسى أشياء وهي خطيرة، ومع النفس لا تصلح المسامحة [ رحم الله امرءاً سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى سمحاً إذا قضى سمحاً إذا اقتضى]، نعم يفوّت للناس ولكن مع نفسه لا يفوّت..! فينبغي أن يكون هناك تدقيق زائد للنفس.
ومعاقبة النفس على التقصير مهمة بإلزامها بالفرائض والواجبات والمستحبات بدلاً من المحرمات التي ارتكبتها،والعجب أن الإنسان يمكن أن يعاقب عبده وأمته وأهله وخادمته وسائقه والموظف عنده على سوء الخلق والتقصير ولكن لا يعاقب نفسه على ما صدر عن نفسه من سوء العمل.
ماهي العقوبات؟
اسم العقوبات فيها تسامح وتجوّز، العقوبات المقصود منها أنك تلزم نفسك بطاعات، ولنضرب لذلك أمثلة من السلف كيف كانوا يعاقبون أنفسهم:
- عاقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه نفسه حين فاتته صلاة العصر في جماعة بأن تصدّق بأرض قيمتها مائتي ألف درهم!!
- ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا فاتته صلاة في جماعة أحيا تلك الليلة كلها، وأخّر ليلة صلاة المغرب حتى طلع كوكبان فاعتق رقبتين مع أن وقت الصلاة لم يخرج..!!
- فاتت ابن أبي ربيعة ركعتا سنة الفجر فأعتق رقبة!!
والتقصير عند السلف من أصحاب النفوس العالية ليس ترك واجب أو فعل محرم ، لكن تقصير في واجب و مستحب، أي فوات طاعة مثلاً أو أذكار وأوراد، والمعاقبة أن يضاعف الأذكار والأوراد.
والنفس لا تستقيم إلا أن تُجَاهد وتُحَاسَب و تُعَاقَب..، ومما يعين على معاقبة النفس أو إرغام النفس على استدراك النقص؛ التأمُّل في أخبار المجتهدين.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (( من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين ، ومن قام بمائة آية كُتِب من القانتين، ومن قام بألف آية كُتِب من المقنطرين)).
ومن تأمل في حال السلف وماذا كانوا يفعلون مع ندرة النماذج هذه في هذا الزمان لعله يقود إلى معاقبة النفس بإلزامها بمزيد من العبادات والمستحبات إذا قصّرت..
قالت امرأة مسروق : ما كان يوجد مسروق إلا وساقاه منتفختان من طول الصلاة، والله إن كنت لأجلس خلفه فأبكي رحمة له.
قال أبو الدرداء: لولا ثلاث ما أحببت العيش يوماً واحداً ، الظمأ لله بالهواجر ، والسجود لله في جوف الليل، ومجالسة قوم ينتقون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر.
أم الربيع كانت تشفق على ولدها من كثرة بكائه وسهره في العبادة فنادته(يابني لعلك قتلت قتيلاً) قال(نعم يا أماه) قال(فمن هو حتى نطلب أهله فيعفو عنك، فوالله لو يعلمون ما أنت فيه لرحموك وعفوا عنك) قال( يا أماه..هي نفسي!!).
قال القاسم بن محمد : غدوت يوماً وكنت إذا غدوت بدأت بعائشة رضي الله عنها أسلم عليها، فغدوت يوماً إليها فإذا هي تصلّي الضحى وهي تقرأ ( فمن ّ الله علينا ووقانا عذاب السموم) وتبكي وتدعو وتردد الآية وقمت حتى مللت وهي كما هي فلما رأيت ذلك ذهبت إلى السوق فلما فرغت من حاجتي رجعت إليها فوجدتها كما هي ففرغت ورجعت وهي تردد الآية وتبكي وتدعو!
هذه القلوب، سريعة الذنوب، لابد من قرعها ومطالعة مافيها، ومن قواعد المحاسبة توبيخ النفس، لأنها مادامت أمارة بالسوء فتحتاج إلى شدة وتوبيخ والله أمر بتزكيتها وتقويمها ، فهي تحتاج إلى سلاسل ولا تنقاد إلا بسلاسل القهر إلى العبادة ولا تمتنع عن الشهوات إلا بهذه السلاسل ولا تنفطم عن اللذات إلا بهذا الحزم معها، فإن أهملت نفسك جمحت وشردت وإن لازمتها بالتوبيخ والمعاتبة والملامة كانت هي النفس اللوامة ويُرجى أن ترتقي بعد ذلك إلى النفس المطمئنة.
كيف يحاسب الإنسان نفسه ؟بماذا يذكر نفسه؟ بنقصها..بخستها ودناءتها وما تدعو إليه من الحرام وترك الواجب والتفريط في حق الله..
فوائد المحاسبة ومصالحها
أن المرء يطّلع على عيوب نفسه ويكتشف أشياء تدهشك ولا يفقه الرجل حتى يمقت نفسه ويحتقرها في جنب الله، وكان بعض السلف يقول في دعائه في عرفة ( اللهم لا ترد الناس لأجلي)! ، وكان محمد بن واسع يقول: (لو كان للذنوب ريح ماقدر أحد أن يجلس إليّ)!، مع أنه من كبار العباد في هذه الأمة، وقال يونس بن عُبيد: ( إني لأجد مائة خصلة من خصال الخير ما أعلم أن في نفسي منها واحدة)!
وهذا حمّاد بن سلمة دخل على سفيان الثوري وهو يحتضر فقال: ( يا أبا عبد الله أليس قد أمنت مما كنت تخافه وتقدم على من ترجوه وهو أرحم الراحمين؟!) قال: (يا أباسلمة أتطمع لمثلي أن ينجو من النار) قال: (إي والله إني لأرجو لك ذلك).
وقال جعفر بن زيد: ( خرجنا في غزاة إلى كابل وفي الجيش صلة بن أشيم فنزل الناس عند العتمة فصلوا ثم اضطجع فقلت: لأرمقنّ عمله، فالتمس غفلة الناس فانسلّ وثبا فدخل غيظة (مجموعة أشجار ملتفة) قريب منا، فدخلت على أثره فتوضأ ثم قام يصلي فجاء أسد حتى دنا منه فصعدت في شجرة فتراه التفت إليه أو عدّه جرو! فلما سجد قلت الآن يفترسه فجلس ثم سلّم ثم قال: ( أيها السبع اطلب الرزق من مكان آخر)، فولّى وإن له زئيراً، فمازال كذلك يصلي حتى كان الصبح فجلس يحمد الله وقال: (اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار ومثلي يستحي أن يسألك الجنة)! ثم رجع وأصبح وكأنه بات على حشاياً ، أما أنا فأصبح بي ما الله به عليم من هول ما رأيت!
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (اللهم اغفر لي ظلمي وكفري)، فقال قائل: ( يا أمير المؤمنين هذا الظلم فما الكفر؟) قال: (إن الإنسان لظلوم كفّار)، فإذا تمعّن الإنسان حال السلف عرف حاله والبعد الشديد مابينه وبينهم.
إذاً ففي المحاسبة:
1- مقارنة حال بحال فينكشف التقصير العظيم.
2- ومن التفكر في العيوب أن الإنسان ينظر في عمله ما دخل عليه فيه من العُجب والغرور فيرى نفس كاد أن يهلك ومهما عمل فهو مقصِّر.
3- أن يخاف الله عزوجل.
4- ومما يعين على المحاسبة استشعار رقابة الله على العبد وإطلاعه على خفاياه وأنه لا تخفى عليه خافية (( ونعلم ماتوسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)). وقال تعالى: (( اعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه)).
5- من الأشياء المهمة في المحاسبة التفكر في الأسئلة يوم القيامة وأن تعلم أنك مسئول يوم القيامة ، ليس سؤال المذنبين فقط، فالله تعالى قال: ((ليسأل الصادقين عن صدقهم))، وإذا كان الصادقين سيسألهم الله عن صدقهم فما بالك بغيرهم؟! (( فلنسألنّ الذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين)) وحتى الرسل يُسألون..!!!
منقول من موقع الكلم الطيب
http://www.kalemtayeb.com/index.php/kalem/safahat/item/14742
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)